الوضع الحزين
أصدرت محكمة الاستئناف في موريتانيا قبل فترة حكماً بإعدام الكاتب محمد ولد أمخيطير، بتهمة الردة، بعد اعتقاله لنشره مقالاً تحدث فيه عن وقائع تعود إلى عهد الرسول، ولكن المحكمة العليا نقضت حكم الإعدام، فلم يعجب هذا جماهير الشعب الموريتاني، حيث شهدت العاصمة نواكشوط احتجاجات واسعة، امتدت إلى مدن كثيرة أخرى. وكالعادة، سار المحتجون في تظاهرات واسعة، وحملوا شعارات تطالب بتأكيد حكم الإعدام والسرعة في تنفيذه، مع ما رافق ذلك من تخريب للممتلكات وتعطيل لمصالح الناس، وبعدم التسامح مع من أسموهم بالملحدين، ورفض التوبة التي أعلن عنها الكاتب.
ما جرى في نواكشوط وغيرها من المدن الموريتانية جرى ما يماثله في عشرات المدن والحواضر الإسلامية والعربية الأخرى، وربما لمئات المرات. وهنا يجب أن نوضح أن من حق كل الشعوب الاحتجاج، سلمياً، متى ما تم المسّ بمقدساتهم أو رموزهم، فهذا أمر طبيعي، ولكن ليس بالخروج في تظاهرات وتعطيل مصالح الناس وإتلاف الممتلكات العامة، بل من خلال اللجوء للجهات التنفيذية والقضائية لتأخذ لهم حقوقهم من المتهمين أو المعتدين.
لقد ارتكب «داعش»، طوال السنوات الثلاث الماضية، أفعالاً وحشية يقشعر لها البدن، وتصنف ضمن أبشع الجرائم والأفعال الدموية التي ارتكبت في العصر الحديث، والتي أساء ارتكابها إلى صورة وسمعة كل المسلمين، أفراداً ودولاً، خصوصاً الذين يعيشون منذ عقود في سلام في الدول الغربية، ومع كل هذا لم نر مسلمين اثنين يشكّلان تظاهرة للاحتجاج على أفعال «داعش» الإجرامية.
كما أن جميع الدول الإسلامية، من دون استثناء، تأتي في المراتب السفلى في التنمية، ومع هذا لم نر تظاهرة احتجاج واحدة على أوضاعها المزرية. كما أن معظمها تفتقد الديموقراطية والحريات الأساسية، والحكومات النزيهة، والجامعات المعتبرة ومياه الشفة الضرورية والأدوية والمستشفيات، والطرق المعبدة، ولكن لا أحد تظاهر محتجاً على غياب كل هذه الأمور الحيوية، البالغة الأهمية!
كما تشكو معظم الدول العربية والإسلامية من مظاهر فقر واضحة، وتنتشر فيها الجريمة، والمخدرات، والفساد السياسي والإداري، ومع هذا لم تقم تظاهرة احتجاج واحدة.
ولكن ما أن نشاهد طالباً وطالبة جالسين جنباً إلى جنب في مدرجات الجامعة أو المقهى، حتى تثور الدماء في عروقنا، ونصدر البيانات ونكفرهما، ونكفر من شارك في الأعياد الوطنية بحجة أن الإسلام الصحيح لم يعرفها، ولا أدري هل عرف الإسلام المركبات والطائرات والمطبوعات التي تطبع مطويات هؤلاء المعتوهين؟
نعم، تثيرهم الكثير من المناظر التي يعتقدون بعدم أخلاقيتها، ولكن نفس هؤلاء لا يعني لهم منظر متسول أو متسولة شيئاً، حتى لو كان تسولهم مختلطاً! كما لا يعني لهم منظر جيش فقراء أطفال المسلمين وهم يعملون في جبال الزبالة في الكثير من مدننا شيئاً أيضاً، وهم يتضورون جوعاً، بل هم معنيون بالدفاع عن الأخلاق فقط، وفصل الرجال عن النساء!
إن أمة بمثل هذا الاضطراب في شخصيتها وهذا التناقض في أولوياتها هي أعجز من أن تدافع، بشكل فعّال وإيجابي، عن رموزها الدينية والدنيوية.
أحمد الصراف