العلمانية.. يا سذّج!
تعتبر الهند، وحتماً الولايات المتحدة، من أكثر دول العالم تعدداً في الديانات والمذاهب والأعراق واللغات. وورد في مقال للزميل السعودي فهد الأحمدي أن في أميركا وحدها، وهي أساساً بلد المهاجرين والمضطهدين، آلاف الديانات والمذاهب المعترف بها، والتي يمارس أتباعها طقوسهم بكل حرية، ومن دون مضايقة من أي كان، بسبب تمتعهم بحماية القانون. كما توجد فيها أكثر من 47 فرقة إسلامية، وآلاف الكنائس المسيحية الأصلية وما انشق عنها، هذا غير طوائف عبدة الشيطان، وتلك التي تعبد جرماً سماوياً أو آخر، أو تعبد أوثاناً خاصة بها. ونضيف أن في الهند هناك ما يقل أو يزيد على ذلك. ويتساءل الأحمدي: لماذا لم تقع في أميركا حروب دينية ونزاعات طائفية، رغم كل هذا التنوع الديني واللغوي والعرقي؟ ولماذا تنعم تلك الدول بكل هذا الهدوء والسلام الذي لا تحظى به أي دولة إسلامية، خالصة في نقائها وإسلاميتها؟
ويجيب قائلاً: لأن أميركا دولة علمانية، ودستورها لا يهتم أصلاً بعقائد الناس ولا بدياناتهم. والعلمانية لديهم ليست كفراً وزندقة وانحلالاً، كما يشتهي بعض الجهلة وصفها، ولكنها في حقيقتها تعني حرية المعتقد وعدم تدخل الدولة في ممارسات المواطنين والمقيمين الدينية، ولا تعاملهم على هذا الأساس. ويكفي للاستدلال على عظمة العلمانية أن كل دول العالم المتقدم، الأكثر إنسانية في التعامل مع شعوبها ومع اللاجئين لها، والمارين بأراضيها، والتي تزود العالم أجمع بكل ما يحتاج له من غذاء ودواء وعلاج وصناعة، هي دول علمانية، وعكسها الدولة الدينية، التي لا تمتلك شيئاً غير بغض الآخر، واحتقار الغير، ونشر الحقد والكراهية، ومحاربة من لا ينتمي لها، ومنع دخولهم لبلدانها.
إن العلمانية تدعو إلى العمل للدنيا والتعايش فيها، ولا تعارض من يود أن يعمل لآخرته، بل تسهل له ذلك وتحمي حقه في ممارسة ما يشاء من عبادات.
ولو نظرنا لإسرائيل، التي يجب البعض منا اعتبارها دولة عدوة، لوجدنا أنها تفوقنا في ديموقراطيتها، وفي حرياتها المدنية، وفي عدالة نظامها القضائي، وبعلمانيتها، على الرغم من أنها تسعى لأن تصبح دولة دينية يهودية خالصة، فإن الجذور التي وضعها مؤسسوها الأوائل، من عتاه الصهاينة، هي علمانية في الصميم، وليست دينية، وهي ما تبقى من سمعتها الدولية. فجيش إسرائيل يتكون من كل ديانات وطوائف الدولة، بالرغم من شديد تخوفهم مؤخراً من كل ما يمثل الإسلام والمسلمين بصلة. كما أن في برلمانها أعضاء عرباً، مسلمين ومسيحيين ودروزاً. وقامت إسرائيل مؤخراً بتعيين المحامية هناء الخطيب، كأول سيدة تعمل بوظيفة «قاض شرعي» في المحاكم الإسرائيلية، ونحن لا نزال نفكر في السماح لها بالخروج من البيت أو بقائها فيه، لدرجة أن من يعتقد أنه أحد «كبار مفكري» هذه الأمة المسكينة، يرى أن هناك مؤامرة أميركية لدفع دولنا للتخلي عن تشددها في موضوع السماح للمرأة بالخروج من البيت من دون إذن!
لست هنا في مجال تلميع صورة إسرائيل، والدفاع عنها، بل أدعو فقط لأن نتعلم ممن هم أفضل منا، حتى لو كانوا من ألد أعدائنا، وأن نتخلى عن عنصريتنا، وعن تعصبنا المذهبي، فهذه العنصرية وهذا التعصب البغيض سيقضيان علينا حتماً في نهاية الأمر.
أحمد الصراف