حاسد إذا حسد
لا أعتقد أنني سأبدو عنصريا او متحاملا في مقالي هذا على فئة من المقيمين، طالما ان كتابتي عنهم لن تتجاوز الحقيقة، وتعكس في الوقت نفسه واقع الحال على الأرض وما تقوله سجلات المخافر.
سألت صديقاً، يقوم منذ سنوات بالتشغيل والتعامل مع عشرات آلاف العمال من جنوب شرق آسيا، عن أفضل جنسية تعمل لديه، فاجأني بالقول إن العامل البنغالي هو الأكثر قوة وشكيمة ومواظبة على العمل، وهو ما يتعارض تماماً مع فكرتي عنهم، ولكن بالتمعّن في الأمر قليلا وجدت أنه على حق، فليس مثل هؤلاء قدرة على العمل في أصعب الأجواء، كمهن الرعي في الصحراء، في كل الفصول، وإدارة بقالات الطرق السريعة، وحراسة المخيمات والعناية بها، والعمل في مواقع الإنشاءات في الصحراء!
ومثل ما هم مخلصون في عملهم أكثر من غيرهم، نجدهم أيضا أكثر تفنناً من غيرهم في استنباط وسائل وطرق إثراء لا تلفت عادة نظر الكثيرين. فقد تفنن البعض منهم، وهم قلة منحرفة، لفترة في سرقة أغطية المناهيل، أو أغطية فتحات مياه الأمطار في الشوارع، ولكنهم الآن تركوها لغيرهم، بعد أن أصبحوا اكثر احترافا، فليس هناك إدارة تشكو من الفساد لا تجد لهم يدا ونفوذا فيها، فتجدهم يبيعون الطوابع المالية بأكثر من قيمتها، أو بنفس ثمنها وينتظرون أن تعطيهم إكرامية عليها، بعد أن يقوموا بتفريغ الآلات منها، وخاصة من الفئة المستخدمة اكثر ضمن الإدارة الحكومية.
كما يقوم بعضهم الآخر بشراء تلك الطوابع، والوقوف في الأماكن البعيدة عن آلات صرفها، والتبرّع ببيعها إلى الجمهور، من خلال إقناعهم بتوفير مشقة السير عليهم لأماكن تلك المكائن، والسيدات عموماً الأكثر طلبا على هذه الخدمات.
كما نجد هؤلاء العمال يتركون أعمال النظافة المنوطين بها، ومراقبة اي طابور في أي إدارة أو مستشفى، ثم اختيار «الصيد، أو الطريدة المناسبة»، والطلب منها الخروج من طابور الانتظار، ليقوموا بالتكفل بإحضار الملف او إنهاء المعاملة، مقابل دينار أو أكثر، حسب كرم او غباء المراجع، وهذا ما حدث معي مرتين، وكنت في كل مرة أندم على «استقامتي» ورفضي العرض «غير الشريف».
قد يقول البعض إن الكتابة عن هذه الظواهر أمر ثانوي وغير مهم، وهناك امور أكثر أهمية يتطلب الأمر الكتابة عنها، وهذا صحيح. ولكن هؤلاء، ولست هنا معنيا بالإضرار بهم، مع كل مشاكلهم، يساهمون بعلم أو بغير ذلك، في زيادة فساد أخلاق المجتمع وجعل الأمر عاديا ومقبولا. وقد قمت من منطلق حرصي على مصلحة الوطن بالاتصال بمدير شركة تنظيف كبرى وشرحت له الوضع فاتهمني بالحسد، وبأني أقطع رزق هؤلاء، و«أجر» من يحسن إليهم (وهنا المشكلة)، فشكرته على سذاجته، ولم أخبره أن حرص البعض على اكتساب الأجر لأنفسهم قد أطاح الكثير من قيم المجتمع، وهذه إحداها.
إن شركات توفير العمالة معنية بالفعل بالطلب من العاملين لديها التوقّف عن أداء غير المنوط بهم القيام به. كما أن الجهات المعنية في وزارات الخدمات؛ كالداخلية والصحة والشؤون، مطالبة بتحذير الجمهور من شراء طوابع مالية من غير آلات بيعها.
أحمد الصراف