النفط وكوداك
يقول مثل، أو قول ينسب لعلي بن أبي طالب: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. وسنحوره، لغرض موضوع هذا المقال، ليصبح:
اعمل لوطنك وكأن النفط سيبقى أبدا، واعمل لوطنك أكثر وكأن النفط سينضب غدا!
نعم، ما يضيرنا لو قمنا بالتعامل مع دخلنا الوحيد وكأنه باق للأبد، أو أنه سيختفي أو ستقل أهمية واعتماد العالم عليه في اليوم التالي؟ أما ما يحدث حاليا من صرف غير معروف وهدر كبير في الموارد الشحيحة، فهو تصرف غير رشيد أبدا، خصوصا مع كل هذه التجاوزات الرهيبة في الصرف خارج ميزانيات عدة جهات حكومية، وصلت لـ4 مليارات دينار لم يرف لها جفن أحد من كبار وصغار مسؤولي حكومتنا الرشيدة، ولا حتى أعضاء مجلس الأمة، والمعارضة منهم بالذات، الذين هادنوا الحكومة فتغاضوا عن 15 ملياراً من الصرف أو الهدر غير المبرر، من دون كلمة احتجاج، في سبيل عودة بضع جنسيات.
ولكن من جانب آخر، وعلى الرغم من كل هذا الهدر، علينا الإشادة بنية الحكومة دمج هيئة الشباب بوزارة الشباب، وحل هيئة القرآن، وإناطة أعمالها، غير المطبقة أصلا، بوزارة الأوقاف، إضافة الى دمج برنامج إعادة الهيكلة مع الهيئة العامة للقوى العاملة، (مع تمني تعيين السيد أحمد الموسى على رأس هذه الهيئة، بعد أن أثبت إخلاصه وجديته في وظيفته).
كما بينت المصادر نية الحكومة دمج مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع جهاز التخصيص. ونتمنى على الحكومة هنا ألا تنسى اللجنة الاستشارية العليا الدائمة للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، التي لم يعرف عنها يوما أي إنجاز، وفشلت في إشعال حتى عود كبريت، على مدى ربع قرن، لإنارة أي طريق!
إن النفط يفقد أهميته يوما عن يوم، ولا يجب أن ننخدع بارتفاعه أحيانا، فمآل كل ارتفاع هبوط، فهذه الذبذبة تعتمد على عوامل «جغرافية سياسية» محددة ينتهي تأثيرها مع الوقت، ويبقى خطر نضوب النفط أو فقدانه أهميته هو الشاغل والمسيطر، وبالتالي يجب أن تمنع هذه الارتفاعات حملة الإصلاحات، إن بدأت.
إن قرنا من سيادة النفط على مصير مليارات البشر، وتحكمه في سياسات الدول واقتصاداتها في طريقه للاضمحلال، وستأتي النهاية بأسرع كثيرا مما نتصور. ويجب ألا ننسى أن الأمر تطلب مرور 62 عاما ليصل عدد مستخدمي السيارة 50 مليون شخص، وتطلب 50 سنة ليصل عدد مستخدمي الهاتف الأرضي لمثل عدد المستخدمين، وتطلب الأمر 46 سنة لتصل الكهرباء لـ50 مليون مستهلك، و28 عاما ليصل عدد حاملي بطاقات الائتمان لـ50 مليون حامل، و22 عاما ليبلغ عدد مقتني التلفزيون لـ50 مليونا، و7 سنوات للإنترنت و4 سنوات لليوتيوب و3 سنوات للفيسبوك، وسنتين فقط لتويتر.
ومن هنا نرى أن التطور والتسارع في التغيير أمران فوق تصور أي شخص، فكما اختفت نوكيا وكوداك والطابعة اليدوية والتلكس، فإن أشياء كثيرة أخرى ستختفي من حياتنا بأسرع مما نتصور.
أحمد الصراف