حق البيت على المسجد
تقول القاعدة الدينية إن ما يحتاجه المنزل يحرم على المسجد، وهذه قاعدة إنسانية ومنطقية قبل أن تكون دينية، فلا يجب أن يُعطى شيء للمسجد إن كان البيت في حاجة أكثر له.
تذكرت تلك القاعدة وأنا أقرأ رسالة «واتس أب» نصها: «عندما يكون الفارق بين وطنك وبين أفقر الدول الأوروبية (الغربية) مئة عام من التطور، فأنت بحاجة لبناء مدرسة في بلدك، وليس بناء مسجد في أوروبا»!
أعلن نجيب البدر، سفير الكويت لدى أستراليا، عن فخره بمشروع بناء مسجد ومركز كويتي للدراسات الإسلامية في كانبيرا، العاصمة. وأن تكلفة المركز ستكون بحدود 6 ملايين دولار، وسيتم افتتاحه قريبا.
كما سبق هذا المركز بعقود «مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية»، وهو مركز أبحاث ودراسات إسلامية تابع لجامعة أوكسفورد، تأسس عام 1985م، لتشجيع الدراسات الإسلامية، ويشمله الأمير تشارلز برعايته منذ يومها، وغني عن القول إن هذا المركز، وبعد 32 سنة من إنشائه، لم يستفد أحد، ربما في منطقتنا على الأقل، من خدماته ودراساته، غير اعتباره منطقة لقاء شخصيات كبيرة بشخصيات أكبر منها وتبادل التحية والابتسام، والولائم وهز الرؤوس والأيدي، ومن ثم توديع بعضهم بعضا، على أمل اللقاء في مناسبة أو اجتماع قادم.
وحدهم المشرفون على هذه المراكز يستفيدون من وجودها، بعد أن ثبت أنها لم تغير من طبيعة أو موقف المجتمع البريطاني أو أفراده قيد أنملة على مدى 32 عاما، فمازال الموقف من الإسلام والمسلمين كما هو، إن لم تزده الأحداث الإرهابية في السنوات العشر تطرفا، وكراهية أشد للمسلمين، بشكل عام.
وأتمنى حقا أن أطلع على دراسة مفيدة أو موقف ساهم في تعزيز صورة الإسلام في بريطانيا أو أوروبا، كان للمعهد، الذي أنفقت عليه مئات ملايين الجنيهات على مدى ثلاثة عقود، دور في ذلك.
إن المشكلة هنا في الكويت والدول العربية والإسلامية، وليس في بريطانيا ونيويورك وكانبيرا. الإرهاب مصدره هنا، والتطرف منبعه بيننا، والفهم الديني المغلوب موطنه في حيّنا، ومن يحتاج إلى مركز دراسات إسلامية حقيقية هي أممنا، وليس الأمير تشارلز، أو الشعب البريطاني. نحن بحاجة إلى مراكز دينية تعلم الناس تقبل الآخر، وتعلمه المحبة والتعايش، بدلا من صرف عشرات الملايين على مراكز خارجية، أو داخلية وسطية مهللة، وإحضار مجموعة من المتطرفين المتخلفين من إخوان الشر لإدارته، وهم الأحوج للإدارة من غيرهم.
ما يسري على هذه المراكز يسري على معاهد ومراكز ومسابقات تحفيظ القرآن، التي لم يستفد منها غير القيّمين عليها، فنصف قرن تقريبا من إقامة هذه المسابقات خلقت بضع مئات من الحفظة، ولكننا في الحقيقة بحاجة لآلاف من الفَهمة!
إن أوضاعنا الدراسية والتعليمية والدينية تشكو من الكثير، وعلينا جميعا توجيه الجهود للداخل، فالخراب في كل مجال تعليمي، وعندما ننتهي من هنا، يمكننا حينها السياحة بأموالنا وأفكارنا وجهودنا للخارج.
ملاحظة: هذا المقال ليس شخصيا، فضمن أمناء مركز أكسفورد من أقدّر وأحترم.
أحمد الصراف