قصة السبانخ وزيت الزيتون والتدخين
معروف أن شخصية «البحار بوباي» popeye the sailor اختلقها الأميركي إلزي سيغر، وظهرت في نشرة هزلية عام 1929، وأصبحت تاليا موضوعا لمسرحيات، وأفلام كرتون وعادية شهيرة!
في عام 1934 أتلفت آفة زراعية كامل محصول المزارع الأميركي الشهير جون شاركز john charks من الذرة الجيدة، التي كان يزود بها عشرات مصانع الأغذية الضخمة في الولايات المتحدة، والتي تعرّضت هي أيضا لخسارة مبيعات كبيرة.
وفي أحد الأيام كان باتريك سيلي patrick seally، منتج الأفلام القصيرة في هوليوود، في زيارة لبيت صديقه شاركز، الواقع على مدخل المزرعة الشاسعة، التي تقع شمال مدينة لوس أنجلوس، وشاهد الخراب والدمار المعنوي والمادي الذي حل بالمزرعة الضخمة وبصاحبها. وتصادف حينها وجود فريق من المهندسين الزراعيين الذين قدموا لتقديم ملخص ما توصلوا له بخصوص مستقبل المشروع الزراعي، حيث نصح رئيسهم لصاحبها بأن عليه التوقف عن الاعتماد على محصول زراعي واحد، والاتجاه لتنويع منتجاته، بحيث تشمل زراعة الخضار الطازجة، لتصريفها يوميا، وزراعة التبغ، لتصريفه موسميا، وزراعة الزيتون، لخلق صناعة معمرة يعتمد عليها، إضافة لمنتجات أخرى.
استمع المنتج سيلي إلى تقرير الخبير الزراعي، وإلى اقتراحاته، وضمر في نفسه أمرا، خاصة أن صديقه شاركز لم يكن سعيداً بما سمعه.
بعد انصراف الخبراء الزراعيين جلس الصديقان معا، فقال سيلي لصاحبه إنه على استعداد لشراء حصة صغيرة في المزرعة بأقل من ثمنها الحقيقي بكثير، ومقابل ذلك يتعهّد له بأن أرباحه من المزرعة ستتضاعف خلال سنوات قليلة: إن قبل بتنفيذ فكرته وإن لم تتضاعف الأرباح فسيعيد الأرض له، من دون مقابل!
فكر شاركز مليا في الاقتراح، ولم يعلق، وبعد فترة صمت طالت تخللتها سحب أنفاس من غليون التبغ الذي كان معلقا بين اسنانه، نهض من كرسيه ومد يده لصديقه قائلا: أنا موافق: هات ما لديك. فقال سيلي ان ما اقترحه المهندس الزراعي منطقي، وان هناك شخصية كرتونية تسمى «باباي ذي سيلر»، لها شعبية كبيرة بين مختلف الأعمار، وبالذات الأمهات والأطفال، وان فكرة جهنمية طرأت على باله، تكمن في إقناع صاحب الشخصية، وهو صديق له، على إجراء تعديل عليها بحيث يقوم فيها «باباي» بتناول كميات من السبانخ، تنتفخ إثرها عضلاته، ويصبح قويا، وينتصر بعدها على عدوه الشرس «بلوتو»، ويسترجع حبيبته «زيت الزيتون»، أوليف اويل olive oyl منه. ليحتفل بعدها باباي بانتصاره بأخذ عدة أنفاس تبغ من غليونه! وقال سيلي ان هذا التعديل سيدفع الأمهات، بطريقة غير مباشرة، إلى تشجيع أبنائهن على تناول السبانخ، ذي الفائدة الصحية العالية. كما سيكون سهلا إقناع الأسرة باستهلاك كميات زيتون وزيت اكبر، هذا غير حث الرجال على التدخين، عندها لم يكن قد عُرفت مضاره الصحية!
أثبت الزمن صواب فكرة سيلي، خاصة بعد أن دخل التلفزيون بيوت الأميركيين، وكانت تلك بداية ثراء الرجلين من فكرة عملية بسيطة.
القصة أعلاه، بخلاف الفقرة الأولى منها، مختلقة تماما، وربما صدقها البعض من منطلق ثقتهم بما أكتب. وما فعلته هنا لا يختلف كثيرا عما يقوم به الكثيرون في هذه الأيام من استغلال سيئ، وإجرامي احيانا، لوسائل التواصل من خلال نشر وإعادة نشر الكثير من الأخبار السيئة، والكاذبة غالبا، واختلاق قصص خرافية، في سعي منهم لخلق بلبلة، وتشويه سير أفراد وجماعات ودول لغرض ما، وبالتالي من الضروري توخّي الحذر، وعدم تصديق «أي رسالة» قبل التمعّن فيها، خاصة تلك التي تتعلق بالصحة او السياسة، أو فوائد أو مضار أطعمة ما، وغير ذلك من أمور مربكة بالفعل لنا جميعا، ومجرد الشك في أي رسالة يكفي لشطبها ونسيانها.
أحمد الصراف