بهاسين المستقيم
احتفلت بريطانيا قبل أيام بمرور مئة عام على مشاركة شعوب أخرى لها في الحربين العالميتين؛ الأولى والثانية. فقد استقدمت في الأولى مئة ألف صيني لمساعدة جيشها في القيام بالأعمال المدنية، التي لم يكن لجنودها وقت للقيام بها، كحفر الخنادق والطبخ، وتنظيف المعدات الحربية. وفقد كثير من هؤلاء حياتهم نتيجة للعمليات الحربية، وهناك متحف في لندن يخلد ذكراهم.
كما استعانت بريطانيا حينها بمئات الألوف من جنود مستعمراتها في آسيا، والهند بالذات، ومنهم من عاد لوطنه، بعد الحرب، ومنهم من بقي في بريطانيا، أو في إحدى مستعمراتها الأخرى، واستقر فيها، ومن هؤلاء المواطن الهندي ديف راج بهاسين، الذي نُقل للقتال على الجبهة الألمانية في بداية الحرب، وبعدها انتقلت وحدته للبصرة عام 1914. وعندما أُعفي من الخدمة العسكرية، مع نهاية الحرب في نوفمبر 1918، طاب له المقام في البصرة، فاستقر هناك وفتح محلا لبيع الأدوات الرياضية والخياطة، وكان غالبية دخله من خياطة ملابس الجنود الانكليزي، وعقود خياطة ملابس الأسرى الايطاليين.
وفي عام 1933 أرسلت بريطانيا شقيقه أمبركاش بهاسين، والد صديقنا شيفي بهاسين، إلى البصرة، ليقوم بأداء أعمال مدنية وعسكرية، فقد كان مجازا في العلوم التطبيقية، ويتقن الإنكليزية. وبعد نهاية خدمته، قرر هو الآخر البقاء في البصرة والعمل فيها. قرر الأخ الأكبر بعدها العودة إلى مدينته «سيالكوت» في الهند، أما أمبركاش فقد توسّعت أعماله نسبيا في تجارته الصغيرة ومهنة الخياطة، إضافة إلى إدارته لكانتين في معسكر للجيش الانكليزي، كان يستخدم معتقلا للأسرى الايطاليين.
عاد أمبركاش للهند عام 1947 وتزوج هناك، وعاد للبصرة، بحرا. وفي 1949 رزق بابنه البكر شيفي. وفي السنة نفسها تعرف على المرحوم الشيخ محمد احمد الجابر، وزير الدفاع السابق، الذي طلب منه القدوم للكويت والعمل فيها، وهو الذي سبق أن طلب من جاشنمال عام 1946 القدوم إلى الكويت. وهكذا غادر أمبركاش البصرة مع أسرته الصغيرة إلى الكويت، حيث قام بفتح محل صغير لبيع الأدوات الرياضية، وفي ركن منه لخياطة الملابس، ثم تطوّرت أعماله وأصبح ينفذ عقود خياطة ملابس وزارة التربية (المعارف حينها)، وملابس عمال المطاعم والخدم تاليا، وقد ارتديت شخصيا، الكثير من ملابسه الجاهزة، من أطقم وقمصان بيضاء، وملابس كشافة.
وفي مقابلة لشيفي مع القبس ذكر أنه درس في المدرسة الانكليزية، قريبا من قصر السلام، قبل الانتقال لمدرسة داخل مستشفى العظام، كانت تديرها زوجة احد الاطباء. وقال إن سبب تخصّص عمه، ووالده تاليا، في بيع الألعاب الرياضية يكمن في أن السيالكوتيين محبون للرياضة أكثر من غيرهم في الهند، ولألعاب الكريكيت وكرة القدم والهوكي مشجّعون وممارسون كثر.
ويقول إن أعمالهم كانت تزدهر في الأعياد، خصوصاً عند زيارة ضيوف كبار للكويت، حيث كانوا يقومون بخياطة اعلام دولهم مع علم الكويت. وكان المرحوم الشيخ سعد من زبائنهم، وأول بدلة عسكرية قاموا بخياطتها له تكلفت 30 روبية، أي اقل من 4 دنانير. كمت خاطت معامل بهاسين بدل كثير من كبار الضباط ومنهم اللواء تاليا خليل شحيبر. ومع ازدياد الطلب على الملابس الجاهزة وجد بهاسين أن من الأفضل استيرادها من الهند.
هذه سيرة أسرة لا اعتقد أن هناك من هم في جيلي أو يقاربني لم يسمع بهم، فقد عاشوا بيننا لأكثر من 65 عاما، وكانوا مستقيمين في تعاملاتهم، ومخلصين للبلد الذي استضافهم، ولم تشُب سيرتهم شائبة أخلاقية او أمنية واحدة.
ومع هذا على رب هذه الأسرة الذهاب كل عام تقريباً لتجديد إقامته في البلاد، شيء مخجل حقاً!
كما استعانت بريطانيا حينها بمئات الألوف من جنود مستعمراتها في آسيا، والهند بالذات، ومنهم من عاد لوطنه، بعد الحرب، ومنهم من بقي في بريطانيا، أو في إحدى مستعمراتها الأخرى، واستقر فيها، ومن هؤلاء المواطن الهندي ديف راج بهاسين، الذي نُقل للقتال على الجبهة الألمانية في بداية الحرب، وبعدها انتقلت وحدته للبصرة عام 1914. وعندما أُعفي من الخدمة العسكرية، مع نهاية الحرب في نوفمبر 1918، طاب له المقام في البصرة، فاستقر هناك وفتح محلا لبيع الأدوات الرياضية والخياطة، وكان غالبية دخله من خياطة ملابس الجنود الانكليزي، وعقود خياطة ملابس الأسرى الايطاليين.
وفي عام 1933 أرسلت بريطانيا شقيقه أمبركاش بهاسين، والد صديقنا شيفي بهاسين، إلى البصرة، ليقوم بأداء أعمال مدنية وعسكرية، فقد كان مجازا في العلوم التطبيقية، ويتقن الإنكليزية. وبعد نهاية خدمته، قرر هو الآخر البقاء في البصرة والعمل فيها. قرر الأخ الأكبر بعدها العودة إلى مدينته «سيالكوت» في الهند، أما أمبركاش فقد توسّعت أعماله نسبيا في تجارته الصغيرة ومهنة الخياطة، إضافة إلى إدارته لكانتين في معسكر للجيش الانكليزي، كان يستخدم معتقلا للأسرى الايطاليين.
عاد أمبركاش للهند عام 1947 وتزوج هناك، وعاد للبصرة، بحرا. وفي 1949 رزق بابنه البكر شيفي. وفي السنة نفسها تعرف على المرحوم الشيخ محمد احمد الجابر، وزير الدفاع السابق، الذي طلب منه القدوم للكويت والعمل فيها، وهو الذي سبق أن طلب من جاشنمال عام 1946 القدوم إلى الكويت. وهكذا غادر أمبركاش البصرة مع أسرته الصغيرة إلى الكويت، حيث قام بفتح محل صغير لبيع الأدوات الرياضية، وفي ركن منه لخياطة الملابس، ثم تطوّرت أعماله وأصبح ينفذ عقود خياطة ملابس وزارة التربية (المعارف حينها)، وملابس عمال المطاعم والخدم تاليا، وقد ارتديت شخصيا، الكثير من ملابسه الجاهزة، من أطقم وقمصان بيضاء، وملابس كشافة.
وفي مقابلة لشيفي مع القبس ذكر أنه درس في المدرسة الانكليزية، قريبا من قصر السلام، قبل الانتقال لمدرسة داخل مستشفى العظام، كانت تديرها زوجة احد الاطباء. وقال إن سبب تخصّص عمه، ووالده تاليا، في بيع الألعاب الرياضية يكمن في أن السيالكوتيين محبون للرياضة أكثر من غيرهم في الهند، ولألعاب الكريكيت وكرة القدم والهوكي مشجّعون وممارسون كثر.
ويقول إن أعمالهم كانت تزدهر في الأعياد، خصوصاً عند زيارة ضيوف كبار للكويت، حيث كانوا يقومون بخياطة اعلام دولهم مع علم الكويت. وكان المرحوم الشيخ سعد من زبائنهم، وأول بدلة عسكرية قاموا بخياطتها له تكلفت 30 روبية، أي اقل من 4 دنانير. كمت خاطت معامل بهاسين بدل كثير من كبار الضباط ومنهم اللواء تاليا خليل شحيبر. ومع ازدياد الطلب على الملابس الجاهزة وجد بهاسين أن من الأفضل استيرادها من الهند.
هذه سيرة أسرة لا اعتقد أن هناك من هم في جيلي أو يقاربني لم يسمع بهم، فقد عاشوا بيننا لأكثر من 65 عاما، وكانوا مستقيمين في تعاملاتهم، ومخلصين للبلد الذي استضافهم، ولم تشُب سيرتهم شائبة أخلاقية او أمنية واحدة.
ومع هذا على رب هذه الأسرة الذهاب كل عام تقريباً لتجديد إقامته في البلاد، شيء مخجل حقاً!