التدين والأخلاق
1 ــ أعلنت إقبال الطيار، مديرة المراقبة الفنية في الكهرباء، أنها قامت بتحرير مجموعة من المخالفات بحق جهات حكومية، بسبب عجزها عن ترشيد استهلاك المياه والكهرباء في مبانيها، ومن بين هذه الجهات وزارة الأوقاف.
هذه النوعية من المخالفات لا تدل فقط على انقطاع العلاقة بين التدين والبيئة والأخلاق، بل وأيضاً دليل على تعاسة مناهج التربية، وعدم قدرتها على تحديد ما هو المهم، وما هو الأهم، وهل أولوياتنا تكمن في الحفاظ على البيئة، أم فهمنا لكسب الأجر، مثلا؟
2 ــ سبق أن أصدرت وزارة الداخلية الإحصائيات التالية بالمخالفات، التي تم تحريرها خلال احتفالاتنا الوطنية بعيدي الاستقلال والتحرير، أي على مدى يومين فقط: 10700 مخالفة مرورية، حجز 600 سيارة، حجز 53 دراجة نارية، إحالة 70 حدثاً للنيابة، وقوع 80 مشاجرة وإصابة المئات فيها، حجز 25 شاباً بالنظارة، تسلم 3257 بلاغ طوارئ من مواطنين ومقيمين! وغالبيتهم من الملتزمين دينياً. وإن صح ذلك، فإنه يبين أن لا علاقة للتربية بالتدين ولا بالأخلاق.
3 ــ يقول الكاتب العراقي يوسف السعيدي، في معرض تشريحه للمجتمع العراقي،: الغالب فيه هو صفة النفاق. فلا أحد يكترث بالفساد السياسي والإداري، ولا بانتشار الرشوة، ولا بالتهرب من دفع الضرائب، ولا بتبييض الأموال أو انتشار الغش في السلع، وانتشار المخدرات، ولا بقضايا تهريب الأسلحة، ولكن الغالبية ترى الفساد، كل الفساد، في مجرّد تنورة أو سروال قصير أو قبلة في لوحة إعلانية!
ويستطرد السعيدي قائلا إن النفاق هو أن تعلَم علم اليقين وبالأرقام أن المجتمعات الأكثر تديناً، أو التي تدعي التدين على الأصح، هي أيضاً الأكثر فساداً في الإدارة، والأكثر كذباً في السياسة، والأكثر هدراً للحقوق، والأكثر تحرّشاً بالنساء، والأكثر اعتداء على الأطفال، ثم يأتي نفس هؤلاء ليقولوا للناس إن سبب فساد الأخلاق هو نقص الدين، فيا لها من وقاحة.
النفاق هو أن تشعل الفتنة الطائفية في العراق وسوريا وباكستان، وتوقظ الحرب القبلية في ليبيا واليمن وأفغانستان، ثم تقول إنك تقاتل من أجل وحدة المسلمين! فيا للمصيبة.
ونرى في جانب ثالث أن تحليل مجتمعاتنا يدلنا إلى حقيقة أن المجتمعات الأكثر تديناً، أو التي تدعي التدين وتعلن أنها من حماته، وتتميز وجوه الكثير من رجالها ونسائها بعلامات الصلاة، ولا تفارق أيديهم السبحة والمسواك، هي الأكثر فساداً في الإدارة، والأكثر كذباً في السياسة، والأكثر هدراً للحقوق، والأكثر تحرّشاً بالنساء، والأكثر اعتداء على المحارم والأطفال، ونجدها في النهاية الأكثر وقاحة، حيث إنها لا تخجل عند استقصاء المسببات الحقيقية الملموسة لما تعرفه من ظواهر سلبية ومخالفات سلوكية، من فساد ورشوة وسرقة وتحرش وعنف أسري، فردية كانت أو مجتمعية، من الهروب والتجرد من مسؤولياتها، وتشخص مشكلاتها وتردها إلى ضعف الوازع الديني.
4 ــ يقول المثل: تستطيع أن تقود الحصان للنهر، ولكن يستحيل عليك أن تجبره على شرب الماء. وهذا ينطبق على سياسة التربية والتعليم الديني في الكويت، التي قامت على مدى نصف القرن الماضي على افتتاح عشرات المدارس والمعاهد الدينية، هذا بخلاف دور القرآن، وتنظيم مئات مسابقات تحفيظ القرآن، هذا غير ملايين ساعات تدريس المواد الدينية في المدارس الحكومية، من خلال ملايين نسخ الكتب، ثم تأتي الأوقاف بعد كل هذا وتشتكي من عجزها عن إيجاد ما يكفي من أئمة ومؤذنين كويتيين! فهناك فقط 56 خطيباً ومؤذناً كويتياً، والمطلوب 2000.
5 ــ وفي مقلب آخر، ألقت السلطات البرازيلية مؤخراً القبض على أسقف كنيسة، وهي رتبة كنسية عالية، للاشتباه في تورطه باختلاس 600 ألف دولار من صناديق عدة كنائس.
أحمد الصراف