فلتكرمنا بسكوتها
من المؤسف جدّاً ملاحظة أنه بعد بضعة أشهر من إطلاق البعض دعوتهم العنصرية بالتضييق على المقيمين بأن الأمر لم ينته فقط لتكسب هؤلاء البعض انتخابيا من هذه الدعوة المشؤومة، بل ساهمت الدعوة في زعزعة روح الاستقرار الوظيفي أو المهني لدى المقيم الذي بدأ يشعر بأن مصدر رزقه أصبح في خطر، وأن عليه بالتالي «أخذ ما اتخذ»، كما يفعل بعض «المواطنين»، الذين تشربوا هذا الشعور، ربما بسبب عدم اطمئنانهم بديمومة الدولة.
أكتب ذلك بعد ان أخبرني مقيم عاقل ومخلص في عمله الإنساني أن زملاءه أصبحوا لأول مرة يتحدثون علنا عن الرشوة والفساد وقبض العمولة، وأن من حقهم أن يصبحوا فاسدين، كغيرهم، طالما أن العملية أصبحت «مخامط». فلماذا يُخلصون لبلد لا يشعرون فيه بالأمان على وظائفهم، ومهددون في أي يوم بخطر إنهاء عقودهم؟
كما أخبرني «استشاري كبير» آخر بأن أحد العاملين في عيادته حثه قبل أيام على الإثراء بطريقة غير مشروعة من وظيفته الحكومية، وبيّن له طرقاً عدة للقيام بذلك، لم يسبق أن خطرت على باله من قبل. وقال إنه طرد ذلك العامل من مكتبه بعد أن نهره، ولكنه بقي طوال الليل قلقا يفكر في ما سمعه، وشعر بالألم للوضع الذي وجد نفسه فيه. وعلى الرغم من أنه رفض الفكرة كليا، فإنه لم يتوقف عن التساؤل بينه وبين نفسه عن مدى صموده في رفض مغريات الإثراء، إن استمرت التهديدات والمطالبات بإنهاء عقود المقيمين وفرض مختلف الضرائب والرسوم غير القانونية واللإنسانية عليهم؟
بإمكاننا القول إننا من بنينا بأيدينا أسوار الكويت التي حمتها من الغزاة، وبدماء آبائنا وأجدادنا حفظنا هذا الوطن من كل شر، وبجهده المخلصين من ابنائه ومخاطرتهم وعنيد إرادتهم توفر العيش الكريم للجميع قبل النفط، ولكن كويت اليوم ليست كويت الأمس، فالكويتي اليوم، مهما كانت درجة وطنيته، لا يستطيع، لأسباب عدة، القيام منفردا بمهمة بناء الدولة الحديثة والدفاع عنها واستمرار تقدمها، فهو بحاجة الى الوافد لتوفير أمنه الغذائي والصحي والمعيشي وغير ذلك. فإدارة وطن أصبحت غير منحصرة اليوم في بناء سور وإدارة تنور، بل أصبحت شديدة التعقيد، بحيث لا يمكن تخيل وجود الكويت بغير دعم المقيم، بدرجة أو أخرى، خاصة ان أغلب المهن المهمة ليس للكويتي وجود فيها إطلاقا، وإن وجد فبنسبة لا تزيد كثيرا على %6، وبالتالي يجب أن نتوقف تماما عن استفزاز هؤلاء ونعتهم بغير المحترم من الأوصاف؛ فهم ليسوا عالة علينا، فغالبيتهم يعملون في القطاع الخاص، ولم يطلب أحد من التاجر أن يزيد أعباءه ويستعين بالوافد إن لم يكن هو حقا بحاجة إليه.
علّموا ابناءكم بطريقة جديدة، وعدلوا مناهجهم وحسّنوا من سلوكياتكم، وتخلصوا من البالي من العادات والتقاليد التي تحتقر «العمل اليدوي»، وعندها فقط سيرحل الوافد طواعية. إن السكوت الحكومي على الأصوات المطالبة بالتخلص من الوافدين يجب أن يدان من أعضاء الحكومة أنفسهم، فالمسألة تتعلق بالأمن القومي للوطن وليس بمصالح شخصية وانتخابية ضيقة. فنحن عاجزون تماما عن تغطية احتياجاتنا الوظيفية والخدماتية من دون مساهمة المقيم، من عرب وغيرهم. فليكرمنا المعترضون بسكوتهم وأن يستحوا قليلا، وإن كانت لديهم الشجاعة فيذهبوا ويحاسبوا تجار الإقامات، وليس بسطاء القوم.
أحمد الصراف