الفلسطيني المخلص
يشكو مدرس لغة عربية فلسطيني، يعمل في إحدى المدارس الخاصة، من عدم اهتمام معظم طلاب هذه المدارس وطالباتها باللغة العربية، اللغة الأم، لغة الأجداد والقرآن. ويقول إن سبب ذلك يعود إلى اعتبارات عدة أهمها عدم اعتبار مادة اللغة العربية في هذه المدارس الاجنبية مادة نجاح ورسوب مؤثرة في التقدير العام للطالب آخر العام مثل المواد الأخرى كالرياضيات والكيمياء والفيزياء وحتى اللغة الانكليزية. فاللغة الأولى بطبيعة الحال في هذه المدارس، سواء أكانت بريطانية أم أميركية، هي الإنكليزية.
يقول إن من أهم أسباب عزوف طلابنا وطالباتنا العرب عن دروس العربية قِدم موضوعات المقرر وتعلقها بالماضي أكثر من الحاضر والمستقبل، وفي مجملها تفتقر الى الاسلوب الجذاب الممتع المفيد. فمعظم الموضوعات التي تدّرس لهؤلاء الطلاب والطالبات ذات صلة بالماضي والتراث وتدور في فلك الثقافة العربية والاسلامية غير المشوقة ولا علاقة لها بالثقافة الغربية ولا العربية المعاصرة.
ويضرب مثلا قائلا: أنا أدرس لطلبة الصف الحادي عشر وطالباته في الفصل الدراسي الثاني (الحالي) ووفق مقرر وزارة التربية الموضوعات التالية: من سورة آل عمران، في القرآن، موضوع منبع السحر في القرآن الكريم. وأدرس من تجارب الحياة للشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى، ومحمد رسول الإنسانية، والتنور الكبير (وطني) ولغة الضاد.
ويضيف أن معظم تلك الموضوعات المقررة شعراً أو نثراً موضوعات تدور حول جوهر الحضارة القديمة. كما أن موضوعات الفصل الاول للصف ذاته لا تختلف في الفكر والمضمون عن موضوعات الفصل الثاني. وما يقال عن موضوعات الحادي عشر المقررة دراسياً من قبل وزارة التربية يمكن قوله عن موضوعات الثاني عشر وموضوعات العاشر وحتى التاسع، وهي فصول المرحلة الثانوية في سلم النظام التعليمي الجديد.
ويستطرد: فعلى سبيل المثال أيضاً نحن ندرس لطلاب الصف العاشر وطالباته في المدارس الاجنبية الخاصة وحتى المدارس الحكومية العامة الموضوعات التالية: في الفصل الدراسي الثاني، حديث «لا تحاسدوا». وموضوع «وقفة على طلل» وهو تحسر على الماضي، وموضوع دور المرأة في أحداث الهجرة. وموضوع «عتاب» لابن الرومي، وهو شاعر عباسي عاش قبل ألف عام. وموضوع «وسيل العرم»، عن دولة سبأ في اليمن قبل الإسلام! فماذا تبقى لمدرس التربية الإسلامية ليدرسه.. وهل أنا مدرس لغة عربية أم مدرس تربية إسلامية؟!
أليس من حق طالب «العربية» في هذه المدارس الخاصة وحتى الحكومية أن يطلع على الآداب العالمية والعربية المعاصرة شعراً ونثراً؟
أين شعر المعاصرين وقصصهم ومسرحياتهم ومقالاتهم الأدبية الرائعة ذات الصبغة الإنسانية أو القيم الإنسانية السامية المتفق عليها عالمياً والصالحة لكل زمان ومكان؟
أين الآداب العالمية الممتعة والمفيدة في آن واحد؟! لماذا لا ندرس طلابنا وطالباتنا مقتطفات رائعة ومشوقة ومؤثرة في وجدانهم وعقولهم.. تأثيرها إيجابي ساحر.
أين شعر أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ونزار قباني ويعقوب الرشيد وسعاد الصباح وفهد العسكر وخليفة الوقيان وأبو القاسم الشابي وابراهيم ناجي وتميم البرغوثي وغيرهم كثر؟
أين مسرحيات شكسبير العالمية المترجمة ومسرحيات توفيق الحكيم وأحمد شوقي الشعرية.. ليقرأها التلاميذ ويمثلوها أيضاً؟
أين قصص يوسف إدريس ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس؟ أين الروايات التي تجسد الانسانية الرائعة؟
أين مقالات محمد مساعد الصالح وعبداللطيف الدعيج وأحمد الربعي وموضي الحمود وأحمد الصراف (!!) والشيخ محمد عبده وحسن العيسى وطه حسين وفؤاد زكريا وصالح الشايجي وغيرهم؟
لماذا لا نغذي عقول طلابنا ووجدانهم بنبذة عن كل فائز بجائزة «نوبل» للآداب.. للنقد والتحليل والاقتداء؟
معظم موضوعاتنا الدراسية ان لم يكن كلها عن الماضي وعن التراث الموغل في القدم ولا شيء عن الحاضر المؤلم والمستقبل الزاهر. والنتيجة ما نراه الآن من مستوى فكري وأخلاقي لطلابنا. فالفكر السائد فكر متطرف عنيف متسلط أو مغلوب ذليل، لا فكر العدل والاحترام. فهل نحن ندرس للماضي أم للمستقبل.. للتقدم أم للتأخر.. للهناء أم للشقاء.. للعدالة أم للعنصرية؟
نريد أن نخرج من دائرة الماضي التليد والأمجاد الغابرة والبكاء على الأطلال واجترار وقائع وذكريات بالية، وعلينا الانشغال بالحاضر الآمن والمستقبل السعيد كي يقبل طلابنا وطالباتنا علينا وعلى درسنا بشغف واحترام وتقدير، فعقلية هؤلاء غير عقلياتنا، ولا تستهويهم موضوعات أكل الزمن عليها وشرب، موضوعات مطروقة مملة.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فلماذا نخصص لقواعد النحو 20 درجة في امتحان درجته من مئة، وكلنا يعرف أن بعضها قواعد «صماء» الكثير منها لا يقبله عقل مستنير ولا منطق سليم؟ وبموجب منهج الكفايات الرائع الممتاز ألا يكفي يا رجال «التربية» الموقرين، خمس درجات من مئة لتطبيقات قواعد نحوية منتقاة ضرورية لفهم الكلام أو سهولة نطقه والباقي من الدرجات المئة ترصد لترسيخ الفهم وحسن الاستيعاب وتنمية المتذوق اللغوي السليم لدى التلميذ النجيب؟
الكلام يطول والمساحة ضيقة والمأساة مستمرة!
أحمد الصراف