الحضارة والتزمّت الديني.. لا يلتقيان
ختمت مقال «الظلاميون يا شيخ ناصر صباح الأحمد» 5/30، بعنوان هذا المقال، حيث طالبت معاليه، إن كان يريد لمشروعه الحضاري الضخم أن ينجح بأن يسعى جاهدا لإحداث تغييرات اجتماعية وسياسية وأخلاقية وبشرية ضخمة تؤمّن ظهره وتحصن مشروعه، من خلال القضاء على الظلاميين الذين بنوا «أعشاشهم الكونكريتية» في مجتمعنا فخربوا النسيج الوطني، أو كادوا. فالمشروع الذي يسعى لتحقيقه لا يمكن أن ينجح في بيئة متزمتة كالتي نحن فيها، وبحاجة لشعب حر منفتح وصاحب رأي يعكس تيار الحرية والإنسانية والتعايش والانفتاح الذي يسود العالم، مع ضرورة التخلص من قيود الأحزاب الدينية، فلا بناء ولا مشروع ولا تقدم بغير ذلك.
يبدو واضحا أن مقالي أصاب عصبا حساسا لدى الجماعات الدينية المتزمتة، أو بالأحرى المستفيد منها، ماديا ومعنويا، الذين حققوا لأنفهسم، قبل أحزابهم ثروات خيالية نرى نتائجها واضحة في المشاريع الضخمة التي حصلوا عليها. ولو استعرضنا مؤهلات جميع قيادات الدولة، لوجدنا أن نصيب الأسد من التعيينات كان من نصيب المنتمين لهذه الأحزاب، ليس لكفائتهم، وبينهم من يستحق الاحترام، بل بسبب دعم جماعتهم، ونفوذ قواهم السياسية، ولأي مذهب أو حزب ديني انتموا. وفي المقابل لا نجد أن هذا التعيين تم فقط لأن شاغل الوظيفة ليبرالي أو علماني أو كافر أو زنديق ملحد!
لم نطالب يوما بإلغاء أحد أو التنكيل به أو بجماعة ما، وكل من يدعي ذلك كاذب وخبيث، بل طالبنا وسنستمر في المطالبة بإقصاء من يشكلون خطرا على المجتمع والهادفين للنيل من وحدته، الذين تهدف أفكارهم وتصريحاتهم للاستيلاء على مقدرات الحكومة، وبالتالي فإن مطالبتنا ليست ضد فئة مسالمة، بل فئة دخيلة لها مخططاتها الإرهابية التي حذرت منها دول كثيرة، واكتوت بنارها دول أخرى، وحظرت أنشطتها دول صديقة وشقيقة.
كيف يمكن لأي عاقل أن يؤمن بأن مسيرة الحضارة في أي دولة يمكن أن تستمر وتنجح إن كان فيها من لا يؤمن بحقوق الإنسان؟
كيف يمكن ان نتحضر ونلحق ببقية الأمم إن كانت المرأة، شكلا ولبسا وخلقا وتصرفا، في نظر فئة متزمتة، هي شغلهم الشاغل ومركز اهتمامهم الأول والأخير، وليس كوارث المجتمع الأخرى، وما اكثرها؟
كيف يمكن أن ينجح مجتمع يرى أحد مشرعيه أن وصف مذيعة لزميلها بالمزيون كارثة تتطلب المساءلة، ونفس هؤلاء لا ترى أعينهم كل هذا الغش في الامتحانات وسوء التربية والسرقات والنهب؟
كيف يمكن أن نبني دولة والمرأة، نصف المجتمع والأم والأخت والخالة والابنة، عورة، ينشر وجودها بيننا الشر والفسق والفجور، ويجب بالتالي تحييدها، وحجزها وإبعادها عن الذئاب الذكور؟
كيف يمكن أن نعمل على تقدم الدولة وإلحاقها بركب الدول المتقدمة وهناك من يسعى لفتح مدارس وجامعات ومعاهد همها الأول والأخير الدعوة لفكرها المتخلف، ونشر الاختلاف العقائدي في المجتمع، وتقسيمه لدار حرب ودار سلام؟
لا شك لدي بوجود عشرات آلاف المؤمنين الحقيقيين بين المنتمين لهذه الأحزاب الدينية، المحبين لعقيدتهم والساعين لنشر المحبة بين الناس. كما لاشك لدي، والأمثلة أكثر من أن تعد أو تحصى، بأن بين المنتمين لهذه الأحزاب أيضا، مثل صاحبنا، من وجدوا في العقيدة وسيلة للوصول لأهدافهم الشخصية وتحقيق مآربهم في الثراء والنفوذ.. وهؤلاء هم الذين أرفع الصوت محذرا منهم، فهذا واجبي ككاتب. وبالتالي من السخف الشديد اتهامي بأنني أسعى لملء جيبي ورصيدي المصرفي على حساب تربية النفس وتهذيبها وتحويلها من نفس جشعة إلى نفس محبة للخير! فحسب علمي لم يستغل أحد ليبراليته لتحقيق الثروة، ولم يستغل أحد علمانيته ليصل لمجلس الأمة، ولم تكن محبة الحرية يوما طريقا للوصول للسلطة، والعكس صحيح تماما مع الجانب الآخر، الذي ترك كل مشاكل الوطن الأخلاقية والفساد الإداري وتزوير الشهادات وركز جل فكره على توافه الأمور التي تدغدغ غرائز السذج.
نكرر قولنا.. الحضارة والتقدم لا يمكن أن يلتقيا والتزمت الديني، ولا مكان لأحزاب دينية متحكمة متعطشة للسلطة بيننا.
ملاحظة:
أحيل كل من لديه شك في ما ذكرت الاستماع لحديث القارئ مشاري العفاسي عن خطورة الإخوان وفساد جمعياتهم، وخطورة دورهم في الحراك.
أحمد الصراف