المسرحية الساخرة والمبكية
لا قوة لدي ولا علم للجزم بوجود حركات تآمر دولية أو خلاف ذلك، ولكني على ثقة من أنه لا أحد يكترث بالفعل للتآمر علينا، فلدينا كامل القدرة على حرق وإفناء بعضنا لبعض بكل ضمير مرتاح، ولا حاجة لأحد أيا كان لصرف فلس للتآمر علينا. ولكني من جهة أخرى أجد نفسي في حيرة من بعض أمورنا، فلا يمكن أن نكون بكل هذا التخلف والسذاجة والسطحية بحيث ننسى كل قضايانا ومشاكلنا ومآسينا وحروبنا ونركز على أمور لا أهمية لها مطلقا، ونشغل الكل بها.. ونتآمر بعضنا على بعض.
يشكو اليمن اليوم من كم خرافي من المشاكل نتيجة حروبه الأهلية، التي لم تتوقف منذ مئة عام، فثمانون في المئة من أهله يعانون من المجاعة، وتفتك الأمراض والأوبئة بهم وتطحنهم حرب أهلية منذ سنوات، حارقة الأخضر واليابس، ولا يبدو في الأفق نهاية لها، ومع أن الحياة شبه متوقفة فيه، فإن عبدالملك الحوثي وجد وقتا لتقديم 20 يمنيا ينتمون لطائفة البهائيين المسالمة الى المحاكمة بتهمة معاداتهم للدين، والتخابر مع إسرائيل. وسبق أن أصدرت محكمة خاضعة للحوثيين حكماً بإعدام أحد كبارهم لنفس الأسباب وتم تنفيذ الحكم فيه. كما أغلقت كل معابدهم التي يعود تاريخها الى أكثر من 150 عاما، واعتبروا كبيرا على الإسلام، حتى مقارنة باليهود والمسيحيين والهندوس والبوذيين وحتى الكفرة والملاعين الملحدين، علما بأن عددهم لا يزيد على ألفي يمني بكثير.
وفي الكويت، وبالرغم من كل ما يشكو منه الشباب من قضايا أخلاقية وانحراف ومشاكل مخدرات وإدمان كحول وغيرها، فإن بعض الملالي وجدوا لديهم الوقت لتكفير طائفة من المواطنين، ونعتهم بشتى الصفات، ولا أدري حقيقة ما الذي سيتحقق من جهودهم السخيفة في نهاية الأمر غير نشر الكراهية والبغضاء والعداوة بين مكونات الوطن.
كما وجد «ملا» بطالي آخر وقتا لتصوير فيديو، مفصل وطويل نسبيا، يتعلق بكيفية القيام بالوضوء، مؤكدا أن ما يقوم به يمثل السنة الحقيقية، ولا أدري من الذي أكد له أن ما يقوم به يمثل ذلك، وما حكم من لا يتبع خطواته، فهل تعتبر صلاته باطلة مثلا؟ وهل العبرة في الخشوع والصدق في الصلاة أم في طريقة إخراج ما في الفم والأنف من ماء؟ وما أهمية ما يدعيه، على فرض صحته، ولا دليل على ذلك، أمام كل هذا الانحدار الذي نعيشه والذي يحتاج الى جهود رجال الدين وغيرهم لوقفه. فالمخدرات تفتك بالشباب والتعليم يحتاج الى عناية، والفساد المالي والإداري منتشر في الحكومة، إتلاف البيئة مستمر والاعتداء على أملاك الدولة لا نهاية له، وغير ذلك من بلاوي، فهل كل هذه الأمور لا أهمية لها والأهم منها بكثير الحط من قدر طوائف المجتمع وتكفيرها، وإنتاج افلام عن كيفية أداء الوضوء، وبيان الفرق بين التبول وقوفا او جلوسا، وغير ذلك من أمور اصبح إنسان القرن 21 كفيلا بفهمها من دون حاجة الى تشويش عقله بها وكأن دخول الجنة أو النار سيتقرر على طريقة اتباع ما ينادي به!
أحمد الصراف