الخير يخصٌّ والشر يعمُّ
لا أدري إن كان في الأمر غباء أم جهل عند مجرد التفكير في مقارنة حجم ونوعية المساعدات المالية أو التقنية والطبية التي تقدمها المؤسسات الخيرية الغربية ومقارنتها بما تقدمه المؤسسات المماثلة في الدول الخليجية، فهذه بالفعل غير منصفة أبدا، وأنا على ثقة بأن وراءها خبثا متأصلا في نفسيات البعض، يأكلهم من الداخل ولا يفيد فيه أي دواء.
لا شك أن لجمعيات وحكومات الدول الخليجية أعمال خير لا تحصى في الكثير من دول العالم وبالذات الأفريقية والآسيوية الفقيرة، ولا ينكرها إلا جاحد. ولكن لنا الملاحظات التالية على هذه الأنشطة، والتي سبق أن اوردنا الكثير منها في عشرات المقالات على مدى أكثر من 25 عاما، ولكن الجهل والتحيّز والتطرف منعت البعض من رؤية الحقيقة:
أولا: ما صرف من أموال خليجية على الدول الفقيرة جاء بعد الطفرة النفطية، وتدفق الأموال على حكوماتها، وما صاحب ذلك من حمى تأسيس الجمعيات الخيرية، ليس حبا في الخير غالبا، بل لاستغلال الفرصة وتحقيق ثروات على حساب سذاجة بعض المحسنين.
ثانيا: ما تم التبرع به كان غالبا بغية نيل الأجر الأخروي، وليس لمساعدة هذه الدولة أو تلك. فغالبية من دفع لم يكن يعرف أين ستصرف تلك الأموال، بل دفعها لينال مقابلها شيئا ما، ومن أخذها احتسب لنفسه، شرعا أو عنوة، نسبة كبيرة منها. وهناك أموال هائلة جمعت واختفت في جيوب من جمعها، والأسماء موجودة لمن يود معرفتها.
ثالثا: أثرى الكثيرون، ونعرفهم بالاسم، من أرصدة الجمعيات الخيرية، ومن مشاريعها «الخيرية»، ومن نفوذها، إما مباشرة أو من خلال العقود الحكومية التي حصلوا عليها!
رابعا: ما أنفقته الجمعيات الخيرية الخليجية خلال الثلاثين سنة الماضية من أموال على أفريقيا يعتبر ضئيلا جدا مقارنة بما تبرع به شخص واحد مثل بيل غيتس.
خامسا: تبرعات المؤسسات الخيرية الغربية تركزت على تحسين نوعية الحياة في أفريقيا ومحاربة الأوبئة والأمراض، أما تبرعات جماعتنا فقد تركزت على طباعة الكتب الدعوية، ودفع رواتب الدعاة، وحفر الآبار، ونسبة قليلة منها ذهبت لأغراض بناء المدارس والمستشفيات والكتب المدرسية.
سادسا: إصرار مشرفي بعض الجمعيات الخيرية على الصرف على المشاريع الخيرية في الخارج لم ينبع دائما من حاجة تلك الدول إليها، بل لسهولة التلاعب في الأموال التي تصرف بعيدا عن اعين صقور وزارة الشؤون، ويحدث ذلك بالرغم من الحاجة الشديدة للصرف على المشاريع الخيرية داخل الكويت، وزيارة واحدة لمناطق تيماء والصليبية ستبين لكل جاهل مدى معاناة ساكني هذه المناطق، ولكن أعمال الداخل مكشوفة وآثارها معروفة، أما مشاريع الخارج فلا أحد يعرف عنها شيئا، غير ما تدعي الجهة الخيرية أنها قامت به.
من كل ذلك نرى أن العمل الخيري تعرض لانتهاكات خطيرة واستغلال وإساءة سمعة، وإثراء غير مشروع، ولا نود بالطبع الانتقاص من جهود القلة الخيرة، ولكن القاعدة تقول إن الخير يخص والشر يعم.