تاريخنا والرجل الحديدي
تعتبر مباريات التحدي ironman triathlon أو ثلاثية الرجل الحديدي، التي تنظمها شركةworld triathlon corporation، التي تتكون من سباحة وركوب الدراجات والجري لمسافات طويلة، ومن دون فترات استراحة، واحدة من أصعب التحديات، وحدثا رياضيا عالميا يتطلب طاقة جسدية كبيرة للفوز بالسباق والحصول على لقب «الرجل الحديدي».. والرجال قليل.
يعود تاريخ هذه البطولة لعام 1978، اي قبل 40 عاما، وكان ذلك في أوهايو، بأميركا ثم انتقلت لهاواي واصبحت مع الوقت عالمية وتتابع كل وسائل الإعلام العالمية أحداثها المثيرة. وقد شارك البعض من جماعتنا في هذه البطولة مؤخرا، ولكن لم يحققوا يوما شيئا يذكر، وكان آخرهم مواطن خليجي لم يتردد، عند عودته إلى بلاده، من إعلان فوزه بلقب «الرجل الحديدي» وتبوؤ المركز الأول لهذا العام، ولقي فوزه ترحيبا رسميا وتغطية إعلامية ضخمة في وطنه.
لسنا هنا في معرض دحض هذا الإدعاء، فمباريات اختيار الرجل الحديدي تمت تغطيتها من قبل آلاف شبكات التلفزيون ومحطات الإذاعة والصحافة، وجميعها أجمعت أن الفائز بلقب 2018 هو الألماني بارتيك لانغ، وجاء بعده بلجيكي وبريطاني، ولم يأت ذكر صاحبنا، علما بأن الرقم القياسي للفائز كان 7 ساعات و52 دقيقة و39 ثانية. أما صاحبنا فقد كان ترتيبه الـ 250 وأنهى التحدي بزمن بلغ 9 ساعات و19 دقيقة، أي بزيادة ساعة ونصف الساعة فقط، أو 87 دقيقة، عن المتسابق الأول.
المواطن الخليجي حر في ما يدعيه، وأهله «أبخص» بما يقول ويفعل، وهذا أصلا ليس موضوع مقالنا، بل الأمر يتعلق بحقيقة أن هذا الحدث وقع قبل أيام فقط، وأمام أعين وعدسات ملايين القضاة والمحكمين والمراقبين والمشاهدين، مع فارق يزيد على 5200 ثانية بين الأول وبين الذي جاء في المرتبة 250 ومع هذا لم يمنعه ذلك البعض من الادعاء بعكس الحقيقة! فإذا كنا بكل «قوة العين» اتجاه حدث وقع بالأمس، فما هي يا ترى الحقيقة عند استعراض أحداث وقعت قبل مئات أو آلاف السنين، يوم لم يكن هناك لا رواة ولا كاميرات ولا قضاة ولا من يحزنون؟ وكيف قبلنا لأنفسنا قتل بعضنا البعض وتفجير دور عبادتنا، ودور عبادة غيرنا، بناء على أحداث لم نحضرها، وكتب لم نتيقن من صحتها، وروايات لم نعرف دقتها، واستحالة تأكيد ما جرى بالفعل ومن قتل من ومن كان على حق ومن كان على باطل؟
إن العالم أجمع، حتى المتخلف منه، خارج منظومتنا، يضحك من سذاجتنا ومن تناحرنا وتقاتلنا على أمور وأحداث ليس بإمكان أحد مطلقا الجزم بصحتها. فإن كان هناك اليوم من يود منا تصديق أن من جاء في المرتبة 250 هو البطل، وسيصبح في تاريخ وطنه كذلك، فهناك أيضا ملايين غيره يدفعوننا دفعا لتصديق ما يروجون له من سير وقصص غابرة وعداوات سافرة لا اصل لها ولا ومن يحزنون.