المجلس والمؤسسة والشهادات
يقول أحد كبار الأطباء إن شركات الأدوية تصرف الكثير على تحسين قدرات الرجال والنساء الجنسية وتطور أعضائهم، ولكنها لا تصرف في الوقت نفسه ما يكفي على علاج أمراض النسيان أو الزهايمر، وبالتالي سيأتي وقت يتساءل فيه البشر عن سبب وجود هذه الأعضاء لديهم.
خلال 16 عاما سنصل الى عام 2035، ونجد انفسنا محاطين بهياكل خراسانية ضخمة وطرقات واسعة وجسور طويلة وجزر عامرة، ولكننا في خضم انشغالنا ببناء كل ذلك نسينا بناء الإنسان، المواطن الحقيقي، بعد ان نسينا متطلباته الثقافية وأغذيته الروحية!
***
أنشأت الكويت، ضمن مشروع مركز جابر الثقافي، دارا عالمية للأوبرا، ومسارح لا يقل مستواها واستعداداتها عن أفضل مسارح العالم. كما صرف من المال العام عشرات الملايين الأخرى لبناء وتجهيز مجموعة من المتاحف التي ليس في المنطقة ما يماثلها.
وبالرغم من روعة المشروعين وغيرهما من مشاريع فنية وثقافية وأدبية قادمة فإن الديوان رأى أن يقوم من يمثله بإدارة هذه الصروح، بدلا من تسليمها للجهة الأولى المعنية بالأمر، كما يدل الاسم، وهو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب! والسبب لا يعود إلى شعور مسؤولي الديوان بعدم كفاءة إدارة المجلس والشك في قدرته على إدارة هذه المشاريع الضخمة، بل ربما غالبا لشكها في «أهواء» الجهة التي تشرف على المجلس، الا وهي وزارة الإعلام، المتواضعة القدرات، وهيمنتها الكاملة على مقدرات المجلس الوطني وبقية الأنشطة الثقافية الأخرى، كمشروع لوياك العالمي وغير ذلك من أنشطة فنية وثقافية وأدبية ذاقت الأمرين من الوضع الحالي في الوزارة.
والسؤال: إذا كان مسؤولو الديوان مترددين في تسليم هذه الصروح للجهة المعنية أكثر من غيرها بالأمر، فكيف قبلت الحكومة تسليم كل ثقافة الشعب و3 ملايين مقيم لهذه الجهة التعيسة؟
فازت لوياك، التي لم تترك قوى الظلام، والإعلام من وسيلة إلا ولجأت إليها لوأد أنشطتها، ولو كان الأمر بيدها لعطلتها كليا، فازت بجائزة عالمية مرموقة لا يمكن تخيل فوز أي جهة حكومية في كل دول الخليج بها. فقد اعلنت مندوبية الاتحاد الأوروبي منح مؤسسة لوياك جائزة «شايو» المرموقة لدورها في تعزيز حقوق الإنسان في منطقة الخليج العربي لعام 2018، وإقرارا بجهودها المتميزة وتشجيعا لها في العمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان في العالم.
وقد حضرت شخصيا حفل تسليم هذه الشهادة العالية، بحضور جميل، وكانت مناسبة تدعو بالفعل للفخر، وأيضا للحزن لما اصبحت تلقاه لوياك من تعنت وسوء معاملة من الجهات المعنية.
إن الحل لهذا الوضع «الكسيف» يكمن في إعادة الاعتبار للثقافة وللفنون وللآداب من خلال جعل تبعية هذا الجهاز لجهة رفيعة كالديوان الأميري أو مجلس الوزراء، لتكون لها حرية الحركة، وتبتعد بقدر ما عن ابتزاز بعض النواب ومطالباتهم التي لا تنتهي وتهديداتهم المستمرة باستجواب وزير الإعلام بسبب كلمة في كتاب، أو صليب على لوحة.
وبخلاف ذلك فإن مخاوفي من فراغ رؤية 2035 ستكون حقيقية بلا شك.
أحمد الصراف