هذا وضعنا بعد 500 عام
كنت مولعاً في سني مراهقتي بجمع الطوابع، وكان الذهاب لجلب بريد والدي متعة، فقد كنت أحظى بعدد جيد من الطوابع الجديدة في كل مرة. وفي مرة لفت نظري خلو الطوابع البريطانية من اسم الدولة، والاكتفاء بوضع صورة الملكة على الطابع، أو في زاوية منه، مع ذكر ثمنه. عرفت تاليا أن هذا الاستثناء منح لبريطانيا فقط تكريماً لأولويتها في تقديم هذه الخدمة، والتي يعود تاريخها لعام 1516. وفي عام 1837 اخترع رولاند هيل طريقة وضع صمغ خلف طابع البريد، ولكن لم يصدر الطابع الرسمي the black penny، الذي يبلغ ثمنه اليوم ربما مليون جنيه في سوق الطوابع الأثرية، إلا بعدها بثلاث سنوات، ثم تطوّرت الخدمة مع الوقت، وانتشرت في العالم أجمع. كانت تلك مقدمة لموضوع مقالنا المتعلِّق بتردي الخدمة البريدية في الكويت، حتى وصلت للحضيض مع توقفها التام منذ ثلاثة أسابيع. من منظر جبل الرسائل والطرود البريدية التي تكدّست في مكاتب البريد، الصادرة والواردة، ندرك، بحزن شديد، أن هناك عشرات الآلاف ممن لا يزالون يستخدمون هذه الطريقة، سواء بصورة شخصية أو تجارية، ويعتمدون عليها، على الرغم من وجود مختلف البدائل الأخرى الأقل أو الأكثر تكلفة، كالإنترنت و«الواتس أب» وخدمة الكوريرز. عملية توزيع الرسائل لا تحتاج غالبا من موظف البريد غير قراءة رقم صندوق البريد ووضعه في المكان المناسب، أو وضع بطاقة في الصندوق تخبر صاحبه بوجود طرد لديه ليتسلّمه من مكان آخر. وهناك نسبة قليلة من الرسائل تتطلب إيصالها لأصحابها على عناوينهم. بالتالي يمكن اعتبار أداء هذه الخدمة العمل الأكثر بساطة في الحكومة، ومع هذا فشلنا منذ التحرير، من دون مبالغة، وحتى اليوم في القيام بها بطريقة سليمة، أو تلزيمها لجهة خارجية ذات كفاءة. ولو نظرنا لقطاع البريد لوجدنا جيشا من الوكلاء والمديرين والمراقبين ورؤساء الأقسام، وجميعهم تقريبا من مؤدي الصلوات، وكانوا في غالبيتهم من صائمي رمضان، ومنهم من حج بيت الله مرات، وجميعهم يقبضون رواتبهم شهرياً، ومعظمهم يذهبون لبيوتهم يوميا من دون أن يرف لأي منهم جفن، أو يتحرّك ضمير لرؤية أطنان الرسائل والطرود التي تأخّر إرسالها لأصحابها خارج الكويت، أو توزيعها في الداخل. جميل أن نهتم جميعا، ونحلم بكويت جديدة، ورائع أن نرى أحلامنا تتحقّق في الإقليم، ولكن كل هذه التوقّعات ستكون بلا معنى بغير الاهتمام بصغائر الأمور ومعالجتها. كيف تفشل دولة بمثل قدرات الكويت البشرية والمالية في أن تؤدي خدمة بريدية نصف معقولة على مدى عشرين عاما؟! ما نفع كويت جديدة، بغير بشر يمكن الاعتماد عليهم وإدارة ذات كفاءة؟! العلاج ليس صعباً، ولكن أتمنى ألا نكون قد ترهّلنا قبل الأوان!!
أحمد الصراف