صتي وطنوس، بقلم أحمد الصراف
أجرت القبس في أغسطس الماضي حواراً مع المواطن اللبناني، طنوس دياب، وقصة الخمسين عاما التي عمل في جزء كبير منها في شركة نفط الكويت بمدينة الأحمدي، النموذجية سابقا. تحدث في لقائه عن ذكرياته وشوارع الأحمدي الجميلة وكيف كنت تسمع فيها التحيات من كل من يلقاك في الطريق وتراحم سكانها، وكيف انقلبت الحياة فيها، وهنا يشير إلى فترة ما بعد تأميم الشركة، بحيث أصبح الجار لا يعرف جاره، والأشجار التي كانت تشذب وتزين أصبحت كثة وهرمة وتغطي البيوت وتبعد الجيران عن بعضهم. ويقول ان علاقاته وزوجته كانت قوية مع كثير من الكويتيين الذين كانوا يعملون في الشركة في بداياتها، وكيف تغيرت المدينة الآن واختلف سكانها واصبح التواصل صعبا، بعد أن تحولت أسوار البيوت الجميلة المصنوعة من نباتات خاصة كانت تجلب من البصرة، إلى اسوار كيربي بشعة، مع تخليها عن نظافتها، بحيث تحولت عروس المدن الكويتية، التي كانت محجا للكثيرين في عطل نهاية الأسبوع، إلى مدينة خربة وهرمة وفوضوية بلا روح أو شخصية، وكيف أصبحت نواديها الرياضية والاجتماعية، وحتى ملاعبها، شيئا من الماضي، بعد ان كانت شعلة نشاط وإثارة وفائدة، فقد قضى الانغلاق والتزمت، والفساد الإداري، على كل شيء!
ذكرني كلام طنوس، الذي اضفت له من عندي، عن وضع الأحمدي، والكويت ككل، بما دار في جلسة جمعتني، في مشرب باريسي، بصديقين عزيزين، غادرنا الأول، راوي القصة، ولا يزال الآخر حيا «يلبط»، مثلي. وقد أدت حميمية الجلسة لأن ينفتح كل منا على الآخر، فأخبرنا الذي رحل عن دنيانا، أن بدايته مع الثراء كانت يوم تلقى اتصالا من أحد كبار مسؤولي شركة نفط الكويت، من الإدارة الوطنية، فور تأميمها، وبعد «الاستغناء» عن إدارتها «الأجنبية»، طالبا منه السعي فورا لفتح مدرسة كبيرة في منطقة قريبة من الأحمدي، وقال انه سيقوم بتحويل ابناء كل العاملين في شركة نفط الكويت لتلك المدرسة، وكانت شركة نفط الكويت، وربما لا تزال، أكبر صاحب عمل. وطلب منه رفع رسوم الدراسة بشكل كبير وغير مسبوق، وقال ان «الشركة» ستدفع الرسوم الباهظة، وطلب لنفسه حصة كبيرة من الأرباح المتوقعة من ذلك المشروع «التربوي والتعليمي»! واستطرد المرحوم في القول ان تلك كانت بدايته مع الثراء، حيث قبر الفقر بعدها إلى الأبد، ولكن الزمن قبره في نهاية الأمر، ونحن له لاحقون.
رواية طنوس وصديقنا ذكرتني أيضا بقصة رواها المرحوم أحمد الربعي الذي زار مدينة عدن، وشاهد كم تغير سوق السمك فيها، بعد ترك الانكليز لعدن، حيث أصبح السوق أكثر قذارة واقل تنوعا في أسماكه وأكثر غلاء، وعندما بث شكواه لبائع كبير في السن قال له: «رجع الانكليز وخذ سمك طازج ورخيص وأنواع كثيرة!».
لا أتباكى هنا على عهد الإنكليز، بل على عجزنا حتى في الاستمرار في ما بدأه الغير، فكيف يمكن أن نخلق أو نبدع، بعد أن خسرنا حتى أخلاقنا؟!