الماء والهواء والوجه القبيح
أصبت قبل أربعة أشهر بنوبة سعال اعتقدت يومها أنها مؤقتة وستزول. أوقفت التدخين، ولكن السعال استمر معي حتى اليوم. راجعت على الأقل 8 أطباء في ثلاث دول، وبلعت كميات كبيرة من الأدوية وأخذت 10 إبر مضادات حيوية، وأخيرا تبين أنني ربما أكون مصابا بالحساسية، بسبب تلوث الجو. ومن هنا جاء اهتمامي بالكتابة عن ماء الكويت وهوائها. تعتبر مياه الحنفية في الكويت الأفضل في المنطقة، لكنها تتعرض للكثير من التلوث قبل أن تصل إلى المستهلك. كما يفترض ان هواء الكويت نظيف لقلة عدد المصانع الضخمة التي تنفث سمومها طوال ساعات الليل والنهار، ولكن الحقيقة غير ذلك. فكل المؤشرات المحلية والعالمية، بخلاف مؤشرات الحكومة، تظهر تلوثا كبيرا في الجو، ومستمرا في التصاعد منذ ما بعد التحرير، بالرغم من رفض هيئة البيئة القبول بهذه الادعاءات، مع غياب رأي المجلس الأعلى للبيئة، الذي لم نسمع له يوما صوتا. كما أن كل تقارير الجهات المحايدة، ومنها السفارة الأميركية وأجهزة قياس التلوث لدى الأهالي والهيئات الدولية مثل aqi و world›s air pollution تبين بما لا يدع مجالا للشك ارتفاع نسب التلوث لمستويات خطرة جدا. وسبق أن اعترفت قبل فترة طويلة هيئة البيئة بارتفاع نسب غاز no2 ثاني أكسيد النيتروجين في بعض مناطق السكن القريبة من الآبار النفطية. وسبق أن حذرت جماعة الخط الأخضر البيئية الكويتية قبل فترة من وجود تلوث شديد في الأجواء، بحيث صنّفت بغير الصحية، مع ارتفاع الجسيمات الدقيقة قياس (pm 2.5) وهي ملوثات مسرطنة لا ترى بالعين المجردة، وأصغر حجما من الغبار. كما توجد في الجو عناصر خطرة أخرى كالرصاص والكبريت والنيتريت، بالاضافة إلى ملوثات اخرى مسرطنة. ويعتقد بعض الخبراء أن سبب تلوث الجو يعود جزئيا لأدخنة مصانع التكرير وغيرها، وبصورة أكبر لما يخرج من مرادم النفايات، بسبب كم الغازات السامة التي تخرج منها، نتيجة تفاعل المواد العضوية (كالأطعمة) مع المواد الأخرى كالبلاستيكة، تحت درجة حرارة تتجاوز أحيانا الستين صيفا. وزيارة واحدة لعيادات أمراض التنفس والرئة والحساسية تبين حجم الكارثة. يعتقد الكثيرون أن جو الكويت، وبعد ثلاثين عاما من التحرير، لا يزال يشكو من تلوثه بالمواد المشعة واليورانيوم المنضب، أو المستنفذ، الذي استخدمه الجيش الأميركي في القضاء على أسلحة الجيش العراقي ودروعه. وقد سجلت بعد التحرير إصابة العديد من الجنود الأميركيين بأمراض خطرة بعد عودتهم الى وطنهم، وخاصة بين الذين عملوا في نقل جثث الجنود العراقيين ودفنها، وإزالة معداتهم المدمرة. نعود لنؤكد خطورة ترك مرادم النفايات على وضعها الخطر الحالي، فهي بحاجة سريعة للمعالجة عن طريق تحويلها الى تربة خاملة من دون بكتيريا، وهذه تتطلب توافر تقنية معينة لا تتجاوز تكلفة صنعها نصف ما يصرف سنويا على أدوية معالجة أمراض الصدر. وهناك جهات عدة على استعداد للتصدي لحل هذه المشكلة متى توافرت النية والعزم لدى الحكومة في مساعدة هؤلاء، علما بأننا نستورد زبالة العالم التي تم تحويلها لأسمدة بتكلفة عالية، مع أن موادها الأولية متوافرة لدينا.
أحمد الصراف