العقال الذي لا يساوي فلساً
«... إننا يا هذا مسلمون، نؤمن بوجود إله واحد أحد لا شريك له، ونؤمن باليوم الآخر، وبوجود دار أخرى دائمة غير هذه الدار الزائلة، وأن المسلم الموحِّد يدخل الجنة، وأن الكافر والملحد يدخلان النار، ونؤمن بوجود الملائكة والجن، وهذه كلها غيبيات، لكن الله أخبرنا بوجودها في القرآن الحكيم، لذلك نتمنى إن قررت الإنكار علينا فيما كتبناه أن ترد علينا وتؤكد إيمانك بالجنة والنار والملائكة واليوم الآخر، عندها سنرفع لك العقال»!
***
لم أرغب في الرد على من كتب الفقرة أعلاه ليس لسخافة الطلب الذي ورد فيها، بل وأيضاً لاستحالة تيقن السائل، أو من هو أكبر وأفهم وأشرف منه، من معرفة حقيقة ما في سريرة من وجه السؤال له، أو ما يضمره قلب أي إنسان من إيمان. فأي تصريح ينطق به، ويتعلق بالعقيدة، هو والعدم سواء، فالعبرة بالخلق والسيرة والتصرف، وبفائدة أو ضرر الإنسان لنفسه أو للآخرين، وليس بالضرورة بما ينطق به من شهادة! من كتب ذلك الطلب اعتقد أنه سيحرج من وجه الطلب له أو سيزعجه، وهو بالطبع كان واهماً. ما اكتبه هنا ليس رداً بقدر ما هو توضيح لأمر مهم وعام يخص كل من يتعرّض لمثل ما تعرضت له، فأمور عقيدة الإنسان كانت دائماً وأبداً من الأمور اللصيقة بالشخص، ولا شأن لأحد بها، طالما لم يروّج لما يتعارض مع معتقدات مجتمعه. ومن الغباء قيام أي شخص كان بالجهر بما يتعارض مع معتقد المجتمع، إن كانت هناك قوانين الدولة تجرّم ذلك. وبالتالي من قلة الأدب وانعدام المسؤولية الطلب من أي شخص كان الإفصاح عن معتقده في مجتمعات محددة. هذا النوع من الأسئلة يتضمن قدراً كبيراً من الخشونة البدائية، التي ترفضها المجتمعات المتحضرة، وبالتالي لا أنا ولا غيري بحاجة الى أن يرفع أي شخص كان عقاله من أجلنا، خصوصا ان صاحب ذلك العقال لا يمتلك حق تقييم الآخرين، وحري به الاهتمام بتنظيف سيرته وما لحق بها من لغط، بدلاً من ملاحقة الآخرين وسؤالهم عن عقيدتهم. خصوصية أمور العقيدة تجعلها محصنة من أسئلة الجهلة والمتطفلين، وان كان لا بد من تعريض شخص ما لمثل هذا السؤال، فيجب أن يكون مستوى السائل الخلقي والأدبي مساوياً أو أفضل من مستوى من وجه السؤال له. كما يجب أن يكون السائل قدوة في حياته الشخصية وفي تجارته وفي طريقة إدارته لنشاطه المهني. وألا يكون عمله محل إدانة يوماً، وبغير ذلك فهو ليس أهلا لسؤال الآخرين عن مقاس أحذيتهم، دع عنك السؤال عن عقيدتهم! أما الافتخار بكون الإنسان مسلماً، مؤمناً بالجنة والنار والملائكة والجن واليوم الآخر، فلا يعني الكثير إن كانت سيرة ذلك المؤمن مثار تساؤل، وثروته محل شك، والطريقة التي أدار بها شركات مساهمة، وهبط بأسعار أسهمها للحضيض محل لغط، وقرار الحكومة وقف أعماله محل حيرة. وبالتالي عليه تحصين بيته الزجاجي جيدا، قبل أن يقرر رمي بيوت غيره بسيّئ أقواله.
أحمد الصراف