شخصية مشاري.. وبائع السنابل
من الصعب الكتابة عن زميل لم ألتقِه إلا قليلا، وبطريقة عابرة، ولكن تواضعه وطيب خلقه يجعلان الكتابة عنه سهلة؛ فصوته هادئ، ومنطقه سليم، وهو واحد من القلة التي أعطت السياسة أكثر مما أخذت منها، ومن الشخصيات الوطنية التي لم تتلوث أيديها أو سمعتها يوما بشائبة. كان حسن ظن مواطنيه وناخبيه به دائما في محله، فقد شارك في كل الانتخابات البرلمانية من عام 1981 وحتى مجلس عام 2006 وأبلى أحسن البلاء تشريعيا وانتخابيا، حيث حصل في أول مشاركة في الدائرة السادسة على المركز الأول، وحصل في انتخابات عام 1985 في الدائرة نفسها على مركزه المتقدّم نفسه، وتكرر الأمر معه في انتخابات 1992 ليحصل أيضا على المركز الأول، ولكنه خسر الانتخابات بعدها مرة واحدة، لأسباب ليس المجال هنا لسردها. عاد ورشّح نفسه في انتخابات 1999 وحصل على المركز الأول. ثم عاد وحصل على المركز نفسه في انتخابات 2003. وبعد مشاركته في 2006، وعلى الرغم من حصوله على المركز الأول، فإن شيئا ما «سد نفسه» وقرر عدم الترشّح، على الرغم من الضغوط التي مورست عليه. هذا هو النائب الوزير السابق مشاري جاسم العنجري، الذي كان بإمكان مختلف رؤساء الحكومة الاستفادة من جهوده وواسع خبرته، ولكن مع الأسف قلة منهم فعلت ذلك، ولا يزال بمقدوره إعطاء الكثير. وكعادة الكويتيين المخلصين، فقد استنكف عن الطلب، مع ترحيبه بأي مشاركة أو مساهمة قد تكون مفيدة لوطنه، فعلى الرغم من خلفيته المحاسبية وسابق خبراته الإدارية، فإنه كان من أفضل من تولّى وزارة العدل، وبصمات منجزاته لا تزال واضحة فيها.
* * *
أكتب هذا المقال، ليس فقط للإشادة بشخصية صادقة وجميلة قدمت الكثير للوطن، ولكن لأكتب أيضا عن الألم الذي اكتنفني، بعد أن تسلّمت من صديق صورة من كتاب «التربية الإسلامية» للصف الثالث الابتدائي لأفاجأ بتضمنه فصلاً يتعلّق بمن ضرب أروع الأمثلة في بر الوالدين، ووصفه الكتاب بـ«أحد رجالات الكويت»!! لم تقتصر المفاجأة على المبالغة الشديدة في الوصف، بل لتعلّقه بمن يعيش بيننا، وعلاقته بوالديه هي مسألة تخصه ولا يعرف أحد حقيقتها، ويجب ألا تكون لمناهج التربية علاقة بها، وحياة ذلك الشخص ليست، في جميع الأحوال، موضوعا يدرس، لما اتصفت به من تضارب وتشابك وخلاف مع أحزاب دينية، وما دار حول العلاقة من لغط شديد تعلق بالمتاجرة بالدين، وما تم تحقيقه من ثراء نتيجة بيع سنابل ذهبية وفضية؛ هذا غير أحاديث ذلك الشخص على التلفزيون وترويجه لمواضيع السحر والشعوذة، وكيف أن عدد السحرة في الكويت يبلغ خمسمئة ساحر، وأقواله عن مرضى المستشفيات «المسحورين» الذين انفك السحر عنهم قبل سنوات فجأة عندما مات من سحرهم في كارثة تسونامي!! لا أدري، لِمَ؟ وكيف اختارت وزارة التربية هذا الرجل بالذات للحديث عن علاقة شخصية بينه وبين والديه، وهناك أمثلة أفضل بكثير؟ وكيف عرف من وضع الكتاب أنه «ضرب أروع الأمثلة» في بر الوالدين؟ وهل ستدرس «التربية» مستقبلا سيرة لداعية آخر، ضرب أحد مرضاه الممسوسين حتى الموت، وحكم عليه بالسجن ليخرج ويصبح الأشهر في مجاله، قبل أن تسحب جنسيته، وتعاد له، لأنه أراح أحد مرضاه بقتله؟ أم سيدرس الطلبة سيرة داعية اعترف علنا بنحر شخص وابنه، فقط لأنهما من مذهب مخالف، وعاد ليدرس في كلية الشريعة، لكونه أستاذا بارّا بطلبته؟ هل يجوز هذا يا وزير التربية؟ هذه فضيحة بكل المقاييس وتشويه لفكر الطالب، نتمنى إزالتها من الكتاب المدرسي فوراً.
أحمد الصراف