التدين والتقدم والأوقاف
يعتقد بعضهم أن هناك علاقة سببية بين التدين والتقدم الحضاري، بشقيه الصناعي والأخلاقي! فالدول الأكثر تحضرا، وربما سعادة وثراء، هي عادة غير المتدينة، أو التي تتميز، بشكل عام، بضعف وازعها الديني! ويقول أحمد النفيس، الذي عين نفسه ناطقا باسم «شيعة مصر»، أن مثل هذا الكلام لا يعني تقليلا من أهمية الالتزام بأحكام الدين، فالثابت أن المكان الوحيد الذي يمكن فيه معرفة مقدار تدين المرء وقيمته سيكون بين يدي الله. وقد يكون للنهضة أسبابها وأدواتها، وقد يكون بينها التدين الصحيح وقد لا يكون، ولكن من المؤكد أن غاية المتدين مرضاة الرب، وليس مجرد استعراض القدرة والجلد على الصلاة والصيام وإطلاق اللحية وارتداء الجلباب! ويستطرد بأن في مصر، وأثناء حالة الفوضى التي تلت ثورة 25 يناير، جرى اغتصاب كثير من أراضي الدولة لإقامة المساجد عليها، ويتساءل إن كان أي فقه إسلامي يبيح بناء المساجد على الأرض المغصوبة والصلاة فيها؟ كما اصبحت هناك جوامع تتنافس لرفع الصوت عبر المكبرات، ربما لجذب المصلين إليها، ويقول إنه لا يعتقد أن زيادة كمية التدين أمر جيد إن لم تكن مرتبطة بنوعية التدين وارتفاع المستوى الأخلاقي للشعب، ويكون خالصا لوجهه!
وكلام النفيس نفيس، ولا يعني ذلك بطبيعة الحال أن كل ما يقوله نفيس وجميل، والدليل على صحة ما ذكره أننا نرى المصلين في الكويت وغيرها لا يترددون في إغلاق الشوارع والدوارات بسياراتهم، ويذهبون لأداء الصلاة! فهم يعتقدون بأن على الآخرين تحمل لوعة الانتظار ومعاناة زحمة السير، بينما هم يؤدون الصلاة أو يستمعون لخطبة! كما نجد في لبنان ودول أخرى أن مؤسسات صحية وتعليمية عدة، تابعة لأحزاب دينية، تقوم بالاستيلاء على أراضي الدولة وإقامة مشاريع دينية وتجارية ضخمة عليها! ولا أعرف كيف تجوز ممارسة العبادة في مسجد مخالف لكل قواعد البناء والتنظيم، وعلى أرض مغتصبة من الغير! وقد تأثرت شخصيا بمثل هذه التعديات! وفي السياق نفسه ورد في القبس قبل ايام أن مسلسل التجاوزات وهدر المال العام لا يزال مستمرا في وزارة الاوقاف، والتي يفترض ان تكون أكثر مؤسسات الدولة ورعا وتقوى، والتي لا يعمل فيها غير المتدين، ومن أعضاء حزبي الإخوان والسلف بالذات، وأن مصدرا مسؤولا فيها كشف عن تجاوزات بلغت المليوني دينار صرفت كمكافآت لغير المستحقين، وكمعونات لجهات خارجية. وأن هذه التجاوزات نفسها سبق أن تكررت في السابق، فكيف يمكن قبول ذلك؟ وهل هي جزء من حرب السلف والإخوان على كيكة الوزارة وأموالها شبه السائبة؟ ولماذا لا يوجه أولئك الذين لم يرحموا أحدا من بذيء نقدهم، جهودهم لمعالجة صراع الإخوان مع السلف، بدلا من تدبيج المقالات في نقد من يفوقونهم قامة ومقاما؟