مشكلة صافية
قلة من العرب، ومن الفلسطينيين بالذات، من سمعوا باسم عفيف صافية، دع عنك معرفة من هو اصلا! ويبدو أن الكثيرين سيكونون سعداء بعدم معرفته، فحضوره عادة ما ينكأ جراحا لا تندمل، ووجوده دليل صامت، ولكنه حي، على مدى تقصيرنا في تقدير المميزين منا، وتحيزنا، كما أن ثقافته تشكل تحديا لا يرغب في مواجهته انصاف المتعلمين منا!
ولد عفيف عام 1950 في القدس، وهو دبلوماسي فلسطيني فذ، بدأ حياته السياسية كنائب لرئيس البعثة الفلسطينية (المراقبة) في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، ثم انتقل ليصبح ضمن هيئة مكتب ياسر عرفات في بيروت، في اوج قوة المنظمة عسكريا وسياسيا في لبنان، وكان مسؤولا عن العلاقات مع دول أوروبا. ولكن بداية عفيف الدبلوماسية الحقيقية كانت عام 1987 عندما عينه عرفات ممثلا للمنظمة في النيذرلاندز، ثم انتقل بعدها ليصبح رئيسا للبعثة الفلسطينية في بريطانيا، حيث أبلى بلاء حسنا. وفي عام 2005 ترأس مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، جاب خلالها أميركا طولا وعرضا، محاضرا عن القضية الفلسطينية، ومدافعا عن القدس وحق العودة، ولكن نجاحه الكبير أوغر صدور اصدقائه، وما اكثرهم، وأعدائه، وما أقلهم، فلم يستمر في منصبه لأكثر من عامين. وفي عام 2008 عين سفيرا لفلسطين في موسكو، ولكن الرئيس عباس، كما يشاع، أعفاه من منصبه وأرسله ليبقى في الظل مؤقتا، وقيل وقتها إن السبب هو «تجرؤه» على المشاركة في تظاهرة لـ «حماس»، وقيامه بإلقاء خطاب ندد فيه بالعدوان الإسرائيلي على غزة! ويعمل السيد صافية الآن سفيرا متجولا لفلسطين، ومركزه لندن، ولكن هذا لا يعني الكثير في العرف الدبلوماسي. ويذكر أن خلفية صافية الدينية والثقافية أهلته عام 1995 ليصبح عضوا في مجلس الأوصياء الدولي للفاتيكان، وممثلا رسميا للمنظمة لدى البابا جون بول الثاني.
ولكن، وهنا المشكلة، وبالرغم من الخلفية الدبلوماسية العريقة التي يملكها، والتي تجعله الدبلوماسي الفلسطيني الأكثر خبرة، والتي اكتسبها من العمل سفيرا في أهم ثلاث عواصم عالمية معنية أكثر من غيرها بالقضية الفلسطينية، وهي أميركا وبريطانيا وموسكو، إلا أنه لم ينل يوما حقه في التقدير، فمشكلة عفيف صافية، الفتحاوي، كمشكلة زميلته عفاف شعراوي، تتعلق بديانته من جهة وثقافته الواسعة من جهة أخرى، فهو بخلاف غالبية رفاق دربه من رجال فتح، غير مسلم، وأيضا بخلاف غالبيتهم ليس من رجال الخنادق ولا من حملة البنادق، وبالتالي فإن القلم الذي يحمله واللسان الذي يتكلم به، والخلفية التعليمية الراقية التي حصل عليها، لا تعتبر في عرف الكثير من قيادات المنظمة مؤهلات كافية، خصوصاً أنها تظهر البعض منهم صغارا بجانبه. ومشكلة عفيف صافية هي مشكلة كل مثقف، خاصة إن كان ينتمي لأقلية عرقية أو دينية، فهو هنا يصبح مصدر قلق وإزعاج للرئيس، اي رئيس، ولمن حوله! ولو كنت صاحب قرار لاخترت عفيف صافية، الذي لا أعرفه ولم التق به يوما، رئيسا لدولة فلسطين!