عالم كئيب (2)
يقول «المحاسب طلال أبو غزالة»، الذي أصبح الملايين يتابعونه ويصدقون أقواله، إن مصر ستصبح خلال عشر سنوات القوة الاقتصادية السادسة في العالم (!!). ولو كلف أي مصدق نفسه مشقة الضغط على بضعة أزرار هاتفه، لوجد أن مصر تقبع اقتصاديا في الترتيب الأربعين عالميا، بحجم اقتصاد يبلغ 300 بليون، تسبقها دول مثل السعودية وأستراليا وتركيا وأسبانيا وكوريا وعشرات غيرها، ولكي تبلغ المرتبة السادسة فهي بحاجة لأن تضاعف دخلها القومي كل سنة، ليصل إلى أربعة تريليونات و500 بليون دولار على مدى عشر سنوات لتبلغ المرتبة السادسة، وهذا خيال! كما صرح المحاسب نفسه بأنه ترأس عام 1985 أول مؤتمر عقد في برلين لوضع سياسات تنظيم استخدام الإنترنت! ولو قام أي معجب بأحاديث المحاسب بالضغط على بضعة أزرار، لوجد أن الإنترنت لم تكن معروفة حينها، وبرلين كانت تحت حكم السوفيت، وأول مؤتمر عقد لتنظيم عمل الإنترنت كان عام 2006، وعقد في أثينا برئاسة عالم يوناني، فمن أين أتي أبو غزالة بكل هذا الكم من الادعاءات، خصوصاً أن القيود على الاستخدام التجاري لشبكة الإنترنت لم ترفع إلا عام 1995؟ كما صرح المحاسب، الذي يصف نفسه بالمفكر، وتسترشد جهات عدة بآرائه، بأن مسؤولا أميركيا رفيعا أخبره بأن «حاكم» البنك الفدرالي يتسلم كل ليلة، وقبل أن ينام، كشفا يبين نتيجة إقفال أسواق المال والعملات في العالم (وكأنها تقفل في وقت واحد) ليقوم بتحديد أسعارها لليوم التالي (!!)، كما أن سعر النفط يحدده مسؤول أميركي، ولا علاقة للأمر بالعرض والطلب(!!) وكم آخر من هذا الخريط. كما صرح أكثر من مسؤول، من أيام أحمد الشقيري، مرورا بصدام وآيات الله وأحمدي نجاد، وصولا لقادة الحرس الثوري الإيراني، بأنهم قادرون على محو إسرائيل. وقال بعضهم إن الوقت لم يحن لذلك بعد. وتواضع البعض وقال إنه قادر على محو نصف إسرائيل، وذهب كل هؤلاء، كما كتب الزميل سعد بن طفلة، وبقيت إسرائيل، ولا تزال «تتمدد». ولو كلف من صدق ترهات هؤلاء أنفسهم بالتمعن قليلا بما سبق أن صدقوه، لوجدوا أن معنى تلك الادعاءات أن أكثر من مليون فلسطيني، من عرب إسرائيل، وأضعافهم من فلسطيني الضفة وغزة، سيحرقون بأيدي عرب أو مسلمين، إن قرر هؤلاء محو نصف إسرائيل، فما بالك بكلها؟ فكل تكنولوجيا السلاح المتقدم في العالم، دع عنك الإيراني المتخلف والعربي المماثل له، لم تصل إلى درجة من التطور بحيث تميز بين العربي واليهودي داخل فلسطين وإسرائيل! ولو قرأ هؤلاء أكثر، لوجدوا ان إسرائيل منفردة نفعت البشرية بعلومها واكتشافاتها أكثر مما نفعناها مجتمعين! ورحمة بالقراء، فإنني لن أتطرق في هذا المقال إلى الكم الهائل من التناقضات والأخطاء والادعاءات التي صاحبت مقابلات صاحبنا «شايف كيف»، التي صدقها الكثيرون، من دون ان يكلفوا أنفسهم مشقة البحث والسؤال والاستفسار عن الحقيقة. ولهذا سنبقى على تخلفنا إلى أن تقترب الشمس سبعين ميلا من الأرض، كما كتب أحد هؤلاء! ومعنى كلامه أننا بخير طالما بقيت الشمس بعيدة عنا بمقدار 71 ميلا وأكثر، علما بأنها تبعد عنا حاليا بأكثر من 150 مليون كلم!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw