ومتى سيأتي دورهم؟
منذ بداية أزمة كورونا، ونحن نسمع الفيديوهات ونقرأ المسجات ونطالع المقالات التي تمتلئ بالهجوم والنقد لما فعله «التجار» بالكويت باقتصادها، وسرد قصص سرقاتهم، بالتعاون مع جهات متنفذة، وكيف انهم نهبوا المال العام، و«ما خلوا شيء»! ووصل الأمر بأحد «عقلائهم» لأن يصرح بأن كل مناقصات الدولة المتعلّقة بمكافحة وباء كورونا واحتوائه ذهبت للتجار! ولا أدري هل يقترح هذا «العاقل» مثلا أن تعطى المناقصات مثلا لحفاري القبور أو للمكاتب الهندسية، لاستيراد الحاجات الضرورية والمستعجلة من الأدوية ووسائل ومواد الوقاية والأغذية وغيرها؟ التاجر موضع حسد الكثيرين من «صغار العقول»، وهم يرون ما يجنيه من ربح يمثل عادة الفرق بين ثمن استيراد مادة ما وثمن بيعها، غير مدركين لحقيقة المخاطر التي تحيق بعمله، وقلقه من الالتزامات التي عليه، وقروض المصارف وديون الموردين، هذا غير رواتب الموظفين والعمال ورسوم الحكومة والإيجارات وخلاف ذلك، ولكن السذج لا يرون إلا المظاهر! لا يحتاج المراقب إلى الكثير ليعرف ان التجار، ومن دون اي مبالغة، هم الأكثر تضررا من أزمة كورونا، من صاحب المقهى الصغير، مرورا بوكيل السيارات، وصولا لأصحاب المولات والفنادق.
***
قام «المركز المالي الكويتي» بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بعقد ندوة إلكترونية حول تأثير جائحة فيروس كوفيد-19 على قطاعات الأعمال في الكويت وآثارها على الشركات، ووجدوا أنه من الضروري تسريع الحكومة لبرامج مساعداتها لهذا القطاع الذي يواجه أخطارا حقيقية ستكون لها تبعات مالية واجتماعية مؤلمة، وضرورة التدخل السريع لحمايته.
***
نعيد ونكرر بأن هناك تاجرا فاسدا، وآخر جيدا، مثلما هناك مهندس شريف وآخر «نصاب»، ولحام غشاش، وآخر «نص غشاش».... هذه طبيعة الحياة، ومن الاستحالة الغاء مهنة أو وظيفة التاجر لأن البعض يكرههم، أو لأنهم نهبوا أموال الدولة، فوجوده ضروري حتى في الدول ذات الأنظمة الاشتراكية، أو ما تبقى منها. ولم تستمر وظيفته طوال آلاف السنين إلا لحيويتها، وعجز الأغلبية عن القيام بها، وهذا ليس عيب التاجر، فهذا طبيعة كل المهن، فليس بمقدور أي منا أن يصبح طبيبا أو مهندسا، أو حتى محتالا، فلكل مهنة طبيعتها ومتطلباتها وأسرارها، فللنصب والاحتيال «فنونه»، للرشوة مثلا، كما تبين لنا من تجارب الحياة، أصحابها ودهاليزها. ومن أهمها أن تعرف من ترشو وكيف ترشو، وحجم الرشوة. فقد تكون «العطية» الصغيرة لموظف بسيط أو فراش في مكتب المسؤول ابلغ اثرا وأهمية من عطية كبيرة للمسؤول نفسه التي قد يرفضها، ويوقف «الصفقة». كما يجب ألا تكون كبيرة بحيث تثير ريبة «المرتشي» فيوقف الصفقة، ولا صغيرة بحيث تثير غضبه. ولشخصية «الراشي» واسلوبه أثر بالغ في معرفة شخصية «المرتشي». فقد يكون من محبي اللهو والمرح، وهذا «له دبره»! وقد يكون من «المتلحفين بأردية التدين ومظاهره» وهذا له دبره المختلف. وقد يكون متساهلا ولكن لا يظهر ذلك، وله أيضا «دبره» إلى آخر ذلك. وبالتالي يعرف «الراشي المحترف» متى يستخدم المال ومتى يلجأ لسلاح آخر، ومتى يقدم جميع هذه الخدمات إن كانت الصفقة تستاهل! طبعا كل هذا الكلام على مستوى «الزعاطيط». أما الصفقات الكبرى، التي يعرف «صاحبنا» (الذي في بالي وبالكم) طرقها جيدا، فوضعها مختلف، ولها أسرارها أيضا. ** نعود إلى موضوع التاجر ونقول انه كان دائما مثار حسد الكثير من «المرضى النفسيين»، وكان لذلك ربما أثره السلبي على الموقف الحكومي من «تعويض التجار» على خسائرهم المهولة. فمن سيدفع رواتب مئات أو آلاف العمال والموظفين العاملين لديهم للأشهر الأربعة الماضية، على الأقل؟ ومن سيغطي إيجارات مكاتبهم ومخازنهم؟ ومن سيعوّضهم عن بضاعتهم التي تلفت في مخازنهم؟ ومن سيغطي فوائد ديونهم المصرفية؟ هل أصحاب الاعمال، التجار، من كوكب آخر وليسوا مواطنين لكي يتم تناسيهم كلية؟ ومن سينقذ نسبة كبيرة منهم من الإفلاس القادم لا محالة؟ أسئلة مستحقة نضعها برسم سمو رئيس مجلس الوزراء، متمنين وضع هذه الفئة المهمة التي كانت دوما أحد الأعمدة التي تأسست الكويت الحديثة عليها، نصب عينيه.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw