قبيلته ومفهوم المواطنة
القبيلة هي جماعة من الناس يعتقد أفرادها أنهم ينتمون في الغالب إلى نسب واحد يرجع إلى جد أعلى أو حلف قبلي. وتتكون القبيلة عادة من عدة بطون وعشائر، وغالباً ما يسكن أفرادها إقليماً مشتركاً يعدونه وطناً، وقد يتحدثون بلهجة مميزة، وقد تكون لهم ثقافة متجانسة، مع وجود عصبية أو تضامن مشترك بينها ضد أعدائها، أو الخارجين عنها، حتى لو كانت الدولة نفسها. ويفرق عالم الاجتماع «ابن خلدون» بين أهل الإبل وأهل الغنم، حيث يكون أهل الإبل أشد بداوة، وبالتالي أعلى في الشجاعة مثلما هم أكثر صفاء في نسبهم لقلة اختلاطهم بغيرهم، وشدة توحشهم ومن ثم ارتفاع فطريتهم.
***
كانت القبيلة، في كل دول العالم، وطوال التاريخ، التجمع البشري الأول، وأسلوب العيش المشترك الذي تعرض للاضمحلال والفناء مع الوقت ومع تطور الدولة المركزية، والولاء لها بدلاً من القبيلة، وهذا ما حدث في كل المجتمعات من دون استثناء، وبالتالي من السخف وقلة العقل القول إنه من الاستحالة اجتثاث النزعة القبلية من النفوس، فهذه النزعة تبقى وتقوى مع ضعف سلطة الدولة المركزية، وتمحى مع زيادة قوة الدولة، وقدرتها على توفير كل متطلبات الشعب. وبالتالي، فإن الاحتماء بالقبيلة ليس مسألة «فطرية طبيعية» كما يحاول البعض إيهامنا، بل هو رد فعل لضعف الدولة، ولاعتقاد القبلي أن انتماءه لها يعطيه منافع «مادية ومعنوية» أكبر مما يحصل عليه بعدم الانتماء لها، وهذا من مظاهر تخلف المجتمعات الناتج عن ضعف الحكومات، والدور الذي تلعبه القبيلة لا يعود غالباً لشوق الفرد للانتماء لها، بقدر ما يعود لما توفره له من مزايا وحماية.
***
في مقابلة تلفزيونية شهيرة أجريت مع «مهدي عاكف»، المرشد الثامن لتنظيم الإخوان، تطرق الحديث إلى موضوع الخلافة الإسلامية وأفضلية تولي مسلم ماليزي مثلاً رئاسة مصر، من أن يتولاها مصري غير مسلم. احتدم النقاش بين المرشد ومقدم البرنامج، بعد أن أبدى الأخير استغرابه من الأمر، فقال له عاكف كلمته الشهيرة «طز فيك وطز في مصر»! وبلع المقدم المسكين الإهانة، أمام سفاهة الرجل المتسلح بقوة حزبه! ما نود قوله هنا إن مرشد الإخوان لم يكتف برفض العصبية القبلية، بل وتعداها برفض حتى المواطنة، وأن الولاء يجب أن يكون لدولة الخلافة الإسلامية، التي ليس فيها مكان لعصبيات قبلية أو عرقية أو وطنية أو عقائدية غير عقيدة «الإسلام»! ولا أدري كيف يمكن فهم موقف بعض «كبار» الإخوان من القبيلة مقارنة بالتزامهم بعقيدة الإخوان التي لا تعترف بها أو بالوطن؟ كما لا أفهم سعي البعض إلى تهذيب النزعة القبلية، وهو اعتراف بأنها عكس هذا، فكيف سيتم ذلك؟ كما لم أفهم معنى ما ذكره البعض من الرغبة في «الاستثمار الأمثل للنزعة القبلية»، وهذا كلام فارغ أيضاً لا يستقيم مع معطيات العصر من جهة، ولا مع أبسط مبادئ الإخوان، الساعين إلى تأسيس دولة الخلافة، فطالما آمنوا بأن الأكرم عند الله هو الأتقى وليس الأقرب من أبناء القبيلة. كما كان مضحكاً ما ذكره البعض كتابة بأنهم يسعون لتكوين جيل يكون ولاؤه لوطنه قبل قبيلته... وإن صحت رغبته تلك، فكل ما كتبه عن سعيه الحثيث لتوحيد القبيلة وشد أزرها لا يعدو أن يكون كلاماً مرسلاً بلا معنى، إضافة إلى أن السعي لتوحيد القبيلة وخلق الاعتزاز بها هو في حد ذاته مخالف لمفهوم المواطنة الحقة التي تحرم العصبيات أصلاً، فلمن ستكون الوظيفة إن تقدم لها أكثر من مرشح، للأكثر كفاءة أم لابن القبيلة؟ الخلاصة: قد تكون القبيلة مفيدة لمن ينتمي إليها، ولكنها حتماً ليست كذلك لبقية أفراد المجتمع.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw