المشاعر المختلطة في ثلاثة مواقف
تقول الطرفة إن مدرساً كان يشرح لطلبته معنى «المشاعر المختلطة»، فطلب أحدهم مثالاً، فقال إن زوجاً عاد لبيته بسيارته الجديدة، فوجئ بزيارة حماته لهم. أعجبت الحماة بالسيارة وهنأته على ذوقه، وطلبت قيادتها، ولم يستطع طبعاً رفض طلبها! تأخرها في العودة أثار قلقه، فاتصل بالشرطة فأخبرته أن حادثاً وقع لها، وأن عليه الحضور. في الطريق انتابته «مشاعر مختلطة»، فمن جهة كان يتمنى أن تكون تلك نهاية الحماة، ومن جهة أخرى كان يتمنى ألا يكون قد حدث لسيارته الجديدة أي ضرر!
***
أعتقد أن بعض الجمعيات الخيرية، التي يتعرض القائمون عليها لنقد قاس لإصرارهم على استقطاع النسب الكبيرة من أموال التبرعات، يسعدها سماع أي دفاع يأتي لمصلحتهم. ولكن لا شك أن بعضهم تنتابه «مشاعر مختلطة» عندما يقوم من تدور حولهم علامات استفهام وشبهات، بسبب تصرفاتهم وسيرتهم «غير العطرة»، وتورطهم في قضايا أخلاقية أو سياسية، ولا يعرفون كيفية التصرف إزاءها. فبالرغم من حاجة هذه الجمعيات لمن يدافع عنها، فإنها في الوقت نفسه تصاب بالحرج من قبول أو رفض مديح أو دفاع هؤلاء عنهم من منطلق أن «ما يأتي من ناقص يضر أكثر مما ينفع»!
***
لا شك أننا جميعاً نقف عاجزين عن فعل شيء إزاء الوباء الذي أطاحنا واقتصادنا، وحتى ما تبقى لنا من هيبة في العالم. وأصبح أكثرنا عجزاً لا يملك غير دعاء طلب زوال الشر عنا وعن أمة المسلمين... فقط!! ودعاء بمثل هذه القسوة، والخالي من الرحمة، لن يلبى حتماً، بصرف النظر عن سذاجته. ولكن ماذا لو نجح الغرب في اكتشاف مصل ينقذ البشرية برمتها من وباء لم ير مثله من قبل، والذي أصاب العالم بالشلل التام؟ ربما سيبلع البعض ألسنتهم، ويشكرون ربهم، ويهمس بعضهم لبعض بأن الله «سخر الغرب الكافر» لأن يبحث ويعمل ويجتهد ليجد لنا المصل الواقي، وبعدها بأيام سنعود لسابق هرائنا، وتحقيرنا لكل شعوب الأرض التي لا تتفق معنا! الطامة الكبرى فيما لو نجحت «إسرائيل، وإسرائيل بالذات»، في اكتشاف المصل! وهذا أمر وارد، فقد أعلن «المعهد البيولوجي الإسرائيلي» عن تحقيق تقدم كبير في إيجاد لقاح ضد فيروس الكورونا، بعد أن نجحت تجربة اللقاح على القوارض. فإن نجحت إسرائيل في مساعيها، فماذا سيكون عليه موقفنا في العالمين، الإسلامي والعربي، وبالذات الفلسطيني؟ هل سنكابر ونرفض اللقاح؟ هل سنطلب نقل اللقاح لدولة أخرى، وتغيير تسميته وطريقة تعبئته، لكي نستطيع الاستفادة منه، ولو كلفنا ذلك أضعاف ثمنه؟ هل سنصدر الفتاوى التي تجيز «الاستعانة بأمصال العدو» عند الضرورات، طالما أن الضرورات تبيح المحظورات؟ إن حدث ذلك فستكون بالفعل كارثة أخلاقية وورطة «مشاعر مختلطة» لم يفكر بها «مدرس» الفقرة الأولى من المقال. أترك القارئ للإجابة التي ترضي عقله وضميره وعقيدته ومصلحته (في وقت واحد)، وأعتقد أن المهمة لن تكون سهلة!!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw