عبداللطيف.. مثال غريب آخر!
استطراداً لمقال أول من أمس، فإن موضوعنا اليوم يتعلق بسيرة شخصية فريدة، فمن جهة يمكن أن تؤلف عنها كتاباً، وأتمنى أن يكون قد قرر كتابة مذكراته، أو أن يكتفي المرء بسطر واحد عنه بكلمات قليلة، ولكنها قد لا تنطبق على «قيادات كثيرة». مسيرة حياته طويلة ومميزة بثرائها العلمي والمعرفي، فقد حصل على شهادتي ماجستير في العلاقات الدولية من أرقى جامعتين في العالم على الاطلاق، وحصل قبلهما على بكالوريوس في الاقتصاد. ولد صاحبنا عام 1937، وبدأ حياته دبلوماسياً بالعمل عضوًا في الوفد الكويتي بالأمم المتحدة عام 1961، مع حصول الكويت على عضوية الأمم المتحدة، بعيد استقلالها. عيّن بعدها مديراً للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، وأصبح في عام 1962 عضواً في لجنة التنمية التابعة للبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وكان له دور في إنشاء المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، ودور مهم آخر في إنشاء الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، حيث أعد مشروع إنشائه وقدمه في القمة العربية بالخرطوم عام 1967، وليصبح بعدها بـ18 عاماً مديراً عاماً للصندوق ورئيساً لمجلس إدارته من عام 1985 وحتى تقاعده قبل أيام. لخبرته الواسعة في مجال التنمية عيّن عضوا في لجنة «برانت» المرموقة التي شكلها البنك الدولي أواخر الستينيات، بمبادرة من المستشار الألماني ويلي برانت، والتي تأسست لدراسة الفجوة الكبيرة في مستوى المعيشة على طول الخط الفاصل بين الشمال والجنوب، وكيف يجب تحويل الموارد من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية. فالبلدان الواقعة شمال الهوة ثرية للغاية بسبب تجارتها الناجحة في السلع المصنعة، في حين أن البلدان الواقعة جنوب الفجوة تعاني الفقر بسبب تجارتها في السلع الوسيطة، وتدني دخلها من التصدير، وهدفت اللجنة لتأمين نوع من الأمن العالمي.
***
ترأس صاحبنا مجلس ادارة بنك الكويت المتحد في لندن لفترة، قبل أن يتوج حياته السياسية بتقلد منصب وزير المالية ووزير التخطيط عام 1981 وكان من الممكن أن يبقى في منصبه لسنوات طويلة، لعميق خبراته، ولكن موقفه الصلب إبان أزمة سوق الأسهم، ومعارضة رئيس الوزراء حينها لرأيه فيما يتعلق بتسوية الكارثة المالية التي سميت بـ«المناخ» دفعته للاستقالة. لخبراته وقدراته الواسعة اختير بعدها بسنتين رئيساً لمجلس ادارة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. هذا هو السيد عبداللطيف الحمد، الرجل الفاضل والأمين الذي لم تشب سيرته على مدى ستين عاماً من العمل الدؤوب شائبة، والذي ضرب المثل في دماثة الخلق والإخلاص والعمل المميز.
***
وقد لاحظت بأسف كيف كرمت مختلف الدول السيد الحمد، ومنحته أوسمة وأنواطا، لكن وطنه شبه تناساه، ولهذا جاء هذا المقال لرد شيء من الجميل لرجل عمل لستة عقود بصمت وأمانة نفتقدها في الكثيرين، ونعتقد أنه يستحق تكريماً مميزاً من الدولة لدوره ومسيرته. والكلمات الخمس عشرة الأخيرة تلخص سيرته ولا تنطبق إلا على القلة من القياديين. ملاحظة: لا أعرف السيد الحمد، ولكن سبق أن التقيت به مرتين في مناسبتي عزاء. أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw