السودان الذي في خاطري
«.. إذا حكمني مسلم فلن يدخلني الجنة، وإن حكمني ملحد فلن يخرجني منها!». محمد أحمد المحجوب - رئيس وزراء سوداني سابق. *** أحببت السودانيين منذ سنوات يفاعتي من خلال العمل والتعامل معهم، داخل المصرف الذي كنت أعمل فيه وخارجه. كما أحببتهم من خلال رواية «ثلاثة عشر شهرا من شروق الشمس» لرانيا مأمون، ورائعة الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال»، ونضال المفكر محمود محمد طه، وآخرين غيرهم. كما كان يشيد بحسن خلقهم وأمانتهم أرباب أعمالهم، وكل من عمل معهم.
***
كغالبية الدول العربية والإسلامية، ابتلي السودان، بعد خروج الإنكليز منه، بالانقلابات العسكرية المتتالية والدكتاتوريات الفاسدة، وكان عمر البشير آخرهم وأكثرهم ظلما وبطشا، وعلى يديه، وبسبب حمقه، خسر السودان 620 ألف كلم من أغنى أراضيه. وبسببه فرضت المحاكم الأميركية على السودان دفع غرامات مالية ضخمة تعويضا للضحايا الذين تسببت حكومة الإخوان في سقوطهم. دخل الإخوان المسلمون السودان تحت عباءة الدكتاتور جعفر النميري، وترسخ وجودهم مع الترابي وتاليا البشير، وكانت سنوات قحط فكري وظلم سياسي، وقتل جماعي لم يعرف السودان له مثيلا، فما دخل الإخوان بلدا إلا أفسدوا فيه وجعلوا أعزة قومه أذلة. وكرد فعل على مساوئهم، أعلنت الحكومة السودانية بالأمس عن فصل الدين عن الدولة، منهية 30 عامًا من حكم «شريعة الإخوان»، وجاء ذلك أثناء مراسم توقيع الرئيس السوداني حمدوك وعبدالعزيز الحلو، أحد قادة الحركة الشعبية لتحرير شمال السودان، على الإعلان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ويحدث ذلك بعد أن كان السودان ملجأ آمنا لعدد من حركات التطرف. وكان «بن لادن يفكر في الانطلاق منه قبل أن يقرر نقل نشاط القاعدة إلى أفغانستان».
***
ضربت السودان أخيرا موجة فيضانات غير مسبوقة سميت بفيضان القرن، اجتاحت مناطق كبيرة وتسببت في تضرر آلاف المواطنين، ووفاة المئات وتشرد عشرات الآلاف نتيجة هدم بيوتهم، ونفوق ماشيتهم، ومع هذا، وللمرة الأولى، لم تتحرك أي من جمعيات الاسلام السياسي لتقديم العون للسودان المنكوب، كما كانوا يفعلون في السابق، وهذا يعني خواء وكذب كل شعاراتهم عن الإخوة في الدين، فهم مع السياسة والحزب وليس مع إغاثة المواطن المسكين، ولن تعني لهم صور الضحايا والأطفال القتلى شيئا، فمحركهم مختلف وأهدافهم عقائدية بحتة. فقد خرج السودان وأهله من قلوبهم يوم خرج الإخوان المسلمون منه. لا أدري متى يعي من يساندهم ماديا ومعنويا حقيقة مآربهم وأهدافهم، وأن ليس لهم علاقة لا بعون المسلمين ولا بإغاثة الأفارقة!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw