الحرب على الجبهة النسائية
يعيش السودان منذ بداية الشهر كارثة فيضان نهر النيل، الأشد منذ قرن، حيث تسببت في أزمة حادة، ووفاة المئات، وهدم عشرات آلاف المنازل وتضررت المحاصيل ونفقت قطعان كبيرة من الماشية، ما أدى إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد.
***
كتبت مقالاً في 6 سبتمبر 2020 عن هذه الكارثة، وتساءلت عن سبب عدم تحرك أي من جمعيات الإسلام السياسي الخيرية لتقديم العون للسودان المنكوب، وبيّنت كيف أن هذا التقاعس كشف نفاق البعض منهم، خاصة المعنيين بـ «الإسلامية العالمية» وبإغاثة المسلمين والعرب والأفارقة، الذين تناسوا كل شعاراتهم عن الإخوة في الدين، لأنهم مع السياسة والحزب وليس مع إغاثة المواطن المسكين، ولن تعني لهم صور الأطفال والضحايا شيئًا، فمحرّكهم مختلف وأهدافهم عقائدية بحتة. فقد خرج السودان وأهله من قلوبهم يوم خرج الإخوان المسلمون منه. لا أدري متى يعي من يساندهم مادياً ومعنوياً، حقيقة مآربهم وأهدافهم، وأنه ليس لهم علاقة لا بعون المسلمين ولا بإغاثة الأفارقة!
***
كُشِفَت أو انفضحت كبرى الجمعيات الخيرية وأكثرها مالا ونفوذا على حقيقتها وبانت سوءاتها، بعد كتابة المقال، وتقاعسها عن نجدة دولة عربية مسلمة، فتلاحقت نفسها بعد يومين من كتابة مقالي، أي في 8 سبتمبر 2020، وقامت جمعيات معنية بكوارث أفريقيا، بالكتابة للشؤون تطلب الموافقة لها على جمع التبرعات لإغاثة السودان، وهي التي يفترض أنها تمتلك مئات ملايين الدولارات في حساباتها، علماً بأن عملية التبرع ستستغرق فترة من موافقات رسمية وإجراءات الحملة وجمع الأموال وحصرها، ثم إرسالها للسودان، يكون حينها قد مات من مات وخسر من خسر. وأجزم أن حركة هذه الجمعيات كانت ستكون أسرع بكثير لو كان السودان لا يزال في حضن الإخوان المسلمين الدافئ، خاصة أن العضو الأقوى في أكبر جمعية خيرية في الكويت، السوداني الجنسية، وتلاحقه سلطات بلاده بتهم فساد، فكيف سيوافق على تحويل أموال لدولة تعاديه؟!
***
وبناء على القول «فوق شينهم قواة عينهم»، فهذه الجمعيات أو غيرها لم تكتفِ بالتقاعس عن أداء واجبها، الذي تأسست من أجله، بل قامت جهات محسوبة عليها بإنتاج «فيديو كليب» شاركت فيه مجموعة معروفة الانتماءات، وجرى توزيعه على نطاق واسع، تضمن هجوماً مقذعاً على دور المرأة العاملة في مجالات اتخاذ القرار، متهمًا قيادة وزارة الشؤون، ممثلة بمعالي الوزيرة، ووكيلة الوزارة المساعدة، ومديرة إدارة الجمعيات الخيرية، «بهدر تاريخ العمل الخيري» في الكويت لتأخرهن في الموافقة على طلبها في جمع التبرعات لإغاثة السودان، علماً بان كتب طلب السماح لجمع التبرعات جاءت بعد مقالي بيومين، وبعد 11 يوماً من الكارثة التي ضربت السودان. فكيف سمحت هذه الأطراف، والشخصيات «الدينية» التي وردت تصريحاتها في شريط الفيديو كليب باتهام الوزارة بهذا الشكل السافر وهي المقصّرة في المقام الأول؟! صدق المثل المصري: ناس تخاف.. ما تختشيش!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw