«المركزي».. وأوحال السياسة
أصدر البنك المركزي قراراً بتشكيل هيئة رقابة شرعية بالبنك، وتعيين أربعة أعضاء لإدارة الهيئة التي ستختص بمهام الموافقة على المرشحين لعضوية هيئات الرقابة الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، والبتّ في الخلافات بين أعضاء تلك الهيئات، وإبداء الرأي الشرعي في ما يحال إليها من المحاكم أو التحكيم بشأن قضايا العمل المالي الإسلامي. وبعيداً عن أي تفسيرات، فإن قرار إنشاء الهيئة مستحق، نتيجة الفوضى التي شهدتها ساحة الفتاوى الشرعية في مختلف المؤسسات المالية، وتضاربها، نتيجة غياب النصوص أو عدم وضوحها.
* * *
يبدو أن السياسة تدخلت في طريقة اختيار بعض أعضاء الهيئة. فمن المعروف أن هناك اختلافات بين البنك المركزي ووزير المالية من جهة، وبين الإدارة الحالية لـ«بيت التمويل»، من جهة أخرى، تتعلق بتشكيل مجلس إدارة «البيت». فقد سعى وزير المالية الشيتان جاهداً لتغيير تشكيلة مجلس «البيت»، بحيث تكون الرئاسة فيه للهيئة العامة للاستثمار. وكان موقف أو رغبة وزير المالية في تغيير مجلس إدارة «بيتك» يحظى بدعم محافظ البنك المركزي، إضافة إلى دعم خفي من «الإخوان»، الذين سبق أن خسروا سيطرتهم على «البيت». لكن مقابل، ذلك حظي مجلس إدارة «البيت» بدعم من جهات بجهات عديدة، وصعد الوزير منصة الاستجواب مرتين؛ إحداهما موقفه من موضوع الفوائد الربوية التي تتقاضاها التأمينات الاجتماعية على قروض المتقاعدين، الأمر الذي دفع وزير المالية الشيتان للسعي «لاستخراج» رأي شرعي بجوازها، وصاحب ذلك، كما يقال، قيامه أو قيام «مؤسسة التأمينات» بالتعاقد مع جهة مختصة بالاستشارات الشرعية كي تسوّق لموقف الوزير والتأمينات المتعلق بشرعية الفوائد، والدفاع عنه أمام هيئة الفتوى في وزارة الأوقاف. تبيّن لاحقاً أن الجهة التي كُلِّفت الترويج يدير هيئتها الشرعية مواطن (متجنّس حديثاً)، مع الاحترام له، وهو في الوقت نفسه عضو في هيئة الفتوى «الحكومية» في وزارة الأوقاف، وما يعنيه ذلك من شبهة «تضارب مصالح»، خاصة أن لهذا الشخص آراء ومواقف سياسية «إخوانية» واضحة، أثناء وبعد حركات «الربيع العربي»! عند عرض مشروعية فوائد التأمينات على هيئة فتوى الأوقاف، بحضور صاحب الصفتين (رئيس لجنة الفتوى في تلك الجهة المروجة، وعضو هيئة الفتوى الحكومية) استقر رأي الهيئة على عدم مشروعية فوائد التأمينات.
* * *
وكترضية لخسارة صاحب الصفتين، والجهات التي تقف خلفه، لفتوى جواز الفوائد، وإرضاء لحزبه «الإخواني»، قام «المركزي»، كما يقال، بمكافأة المفتي «صاحب الصفتين» على جهوده التي لم تثمر، بتعيينه رئيساً لهيئة الفتوى في البنك المركزي، وما يعنيه ذلك من مكافآت مالية مجزية ونفوذ «شرعي» كبير.
* * *
كنت أتمنى على المحافظ المحترم النأي بنفسه والبنك تالياً، عن مثل هذه التعيينات المثيرة للجدل، وعدم إقحام السياسة في أمور البنك، مع وضوح شبه انعدام أهلية بعض أعضاء الهيئة المعينين، وما يعنيه ذلك من أن الغلبة في قراراتها مستقبلاً ستكون لمن يترأسها، مع كل ما دار ويدور حوله من لغط.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw