فقاعة المقاطعة
تعتبر مارين لوبان (مواليد 1968) سياسية فرنسية وبرلمانية أوروبية يمينية متطرفة ومنافسة قوية لماكرون في الانتخابات الفرنسية المقبلة، ورئيسة حزب الجبهة الوطنية، وربما المرأة الأكثر سعادة في فرنسا، بعد موجة الاغتيالات البشعة التي تعرض لها مواطنوها على يد متطرفين مسلمين.
***
نجحت غزوات نيس وباريس، وقبلها المئات، في نشر «الإسلاموفوبيا»، أو الخوف الجماعي من الإسلام والمسلمين، في كل أوروبا والعالم، وتأليبه ضدنا نتيجة ما يحدث في مدنهم من قتل ودمار وتخريب، وحتى إغلاق شوارع لأداء الصلاة، وتعطيل مصالحهم، فقط لأن جهة ما اختارت نشر رسوم ساخرة ورديئة في فكرتها، ولا قيمة لها، ولم يكن يعرفها أحد حتى بدأنا بحصد أرواح الناس في مكاتبهم، ونحرهم في الشوارع والكنائس. كما نتج عن ذلك الإضرار بمسلمي فرنسا وأوروبا ودفع سلطاتها، لأول مرة، لإغلاق عشرات المساجد والمدارس والجمعيات والمراكز الدينية، وفقد ــ بالتالي ــ عشرات آلاف المسلمين الذين يديرونها وظائفهم، ومنعهم من تلقي أي مساعدات مالية من الخارج مستقبلاً. وستصبح قوانين الهجرة والتعامل مع المسلمين في هذه الدول أكثر صرامة.
***
غريب جداً ما يعتقده الكثيرون أنه بإمكان رسوم سخيفة ورديئة المس بسمعة نبي له مليار ونصف المليار من الأتباع، ولماذا لا نتأسى به ونقول للمسيئين: اذهبوا فأنتم الطلقاء؟ ولماذا غلت الدماء في عروق هؤلاء على الرسوم، ولم يرف لهم جفن على القتل وطحن الأفكار والأجساد اللذين يتعرض لهما مسلمو الإيغور في الصين، وأمثالهم من مسلمي الروهينغا، ولاجئي فلسطين وسوريا واليمن وأفغانستان، الذين يبيتون منذ عقود في العراء بلا مستقبل ولا كرامة ولا تعليم.. ولا شيء! أليست صور المحن التي يعيشها هؤلاء أكثر قسوة وأشد مدعاة للشفقة من رسوم صحافيّ فرنسي مخمور؟ يقولون إن أقوى سلاح في الوجود ضد الرداءة هو سلاح اللامبالاة، وهذا ما تفعله الشعوب الحية مع كل من يسيء إليها.
***
خفتت صيحات المطالبين بمقاطعة المنتجات الفرنسية، وفاق هؤلاء «السذج» من عميق سباتهم ليكتشفوا أن المسألة ليست إطلاق الشعارات وحشد التظاهرات ورفع اللافتات، بل قوة وعزم وإنتاج وتقدم وحرية وهي جميعها ليست متوافرة لدينا. لقد تصرفت جهات كثيرة بـ«حمق»، وتسببت في تعرض موردين أبرياء لخسائر كبيرة، فقط لأنهم سبق أن استوردوا منتجات فرنسية لبيعها في السوق المحلي. فإتلاف هذه المواد صب غالباً في مصلحة المصنّع الفرنسي، الذي سيقوم بإنتاج غيرها وبيعها لنا، وسينتهي التالف في القمامة، فماذا استفدنا من كل ذلك؟ المؤسف الآن أن جمعيات تعاونية، ومن مناطق جغرافية محددة، التي كانت الأكثر حماساً من غيرها في الدفاع عن رموزنا الدينية، بدأت تعرض على بعض الموردين إعادة إدخال منتجاتهم الفرنسية لرفوف الجمعية، التي سبق أن رميت في القمامة.. مقابل رشاوى مالية!
***
سنكتشف جميعاً، وحتماً بعد فوات الأوان، أن المقاطعة لم تكن عقلانية بل فقاعة، ولم نستفد من دروسها، ومن إتلاف بضعة أطنان من المواد الغذائية وغيرها، من إنتاج فرنسي، وترك مئات المواد الأخرى من دون مقاطعة؛ لأننا في أمسّ الحاجة إليها، كالأدوية والأسلحة، فهل هناك ما هو أكثر سخفاً من هذا الوضع؟
***
توفي أول من أمس الجمعة، العم عبدالعزيز الشايع، مخلفاً وراءه تركة رائعة من أعمال الخير والمواقف الوطنية النبيلة، وسيرة تستحق أن تدرس وأن يقتدى بها. له الرحمة ولأهله الصبر.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw