أعداء الغرفة وأصدقاؤها
غرفة تجارة وصناعة الكويت، بمجلسها وأعضائها، ليست زرعاً شيطانياً، ولاهم مجموعة من مصاصي الدماء، كما يحلو لبعض المرضي تصويرهم. ولا هم جسم غريب أو مستجد، فأعضاؤها إخوة وأهل وأبناء وآباء وأخوات لموظفي الدولة وللمتقاعدين ولبقية أفراد المجتمع، ولأي طيف انتموا، ورخاؤهم وسعادتهم جزء من رخاء البقية ولا يشكل وجودهم حتماً أي تهديد لأية جهة، فقد كانوا، ومنذ نشأة الكويت العمود الفقري لاقتصاد الدولة، ولا يوجد مجتمع حديث و«طبيعي»، ولأسباب يطول شرحها، بإمكانه العيش من دون طبقة التجار.
***
التاجر، مثله مثل غيره، يسعى لتحقيق أقصى ربح، كما يسعى الموظف للحصول على أعلى راتب، كل ذلك ضمن قواعد وقوانين واضحة. فإن كانت قسائم الدولة تمنح للتاجر بقيمة إيجارية منخفضة مثلا فهذا ليس ذنبه، ومن السخف أن نتوقع منه المبادرة ومطالبة الحكومة برفع الإيجار عليه. والأمر نفسه يسري على موظفي وزارة النفط مثلا الذين رفع «القدر» رواتبهم لمستويات خرافية، مقارنة بغيرهم، ولا أحد توقع منهم المبادرة ومطالبة الحكومة بخفض رواتبهم لتصبح مماثلة لمن هم أقل منهم! وبالتالي ما الفرق بين موظف يقبل من الحكومة راتباً يعلم جيداً أنه كبير، وتاجر يقبل بإيجار يعلم أنه قليل؟
***
ما لم يدركه من هاجموا بيان الغرفة، ولهم أعذارهم، أن من مصلحة التاجر، أو الصناعي، ارتفاع مستوى معيشة أفراد المجتمع، وليس العكس كما صور البعض، لما لذلك من أثر إيجابي مباشر على تجارته. وفي جانب آخر من مصلحة «تجار وصناعيي الغرفة» تشجيع سخاء الدولة مع المواطنين، وحصول الموظفين على أعلى الرواتب والمكافآت والخصومات على السلع الأساسية، ولكنهم يعلمون خطورة ذلك على اقتصاد الدولة ككل، ومن هذا المنطلق ومن الإحساس بالمسؤولية قامت الغرفة، ممثلة بكل أعضائها، بإصدار بيانها الذي نددت فيه بضعف الإدارة العامة، والانحياز الرسمي والشعبي الكامل نحو المبالغة في «رعويتها» للمواطن، على حساب احتياجات المستقبل، دون إجراء إصلاح اقتصادي حقيقي طال انتظاره. كما طالبت الغرفة في بيانها بإصلاح الاختلالات الهيكلية الأساسية، ومعالجة التركيبة السكانية، والحد من هيمنة القطاع العام، ومنع الاحتكار، وضرورة فرض ضريبة الدخل دون المس بجيب أصحاب الدخل المحدود، وإعادة تسعير الخدمات العامة ورفع القيمة الإيجارية لأملاك الدولة، وإعادة هيكلة الدعوم وترشيدها وتوجيهها إلى مستحقيها.. فأين جريمة الغرفة هنا؟ ما هو غير المنطقي وغير العادل في هذه المطالبات بحيث ينبري البعض لوصف الغرفة بمصاصي الدماء؟ وما العيب في انتقادها لتضخم الإنفاق العام الاستهلاكي، وتوالي عجز الميزانية العامة وتزايده، وتردي الخدمات العامة والبنية الأساسية وتراجع مستوى التعليم، وفشل الحكومة في التصدي للفساد، والتحذير من تخفيض التصنيف الائتماني السيادي للدولة.. ألا يكفي كل هذا في جعل «الوطن في خطر» حقيقي؟ كما أن تركيز البعض على انخفاض القيمة الإيجارية لقسائم الدولة، الصناعية والخدمية، وضرورة رفعها دليل على عدم استيعاب هؤلاء لآلية العمل التجاري، فكل زيادة إيجارية سيدفع ثمنها في اليوم التالي المستهلك، مع العلم بأن ليس هناك تاجر عاقل يعارض قيام الحكومة برفع إيجارات قسائم الدولة، إن تم ذلك ضمن خطة اقتصادية متكاملة. التجارة ربح وخسارة ومعاناة وتعب وجهد ومخاطرة. وفي أزمة الكورونا فقدَ آلاف التجار والصناعيين أعمالهم ومدخراتهم وكل مستقبلهم، فهل «حنّ» قلب أحد عليهم؟ وأخيرا: إن رفاهية المواطن والمقيم متعلقة بقوة اقتصاد الدولة، وعدم الاهتمام بهذا الجانب بحجة أن المستفيد في النهاية سيكون التاجر، يعتبر قصر نظر خطيراً سندفع ثمنه جميعاً.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw