أفضل من ألف رجل
«أنجيلا»، هي امرأة وزوجة ولا تشكو من أي أعراض ذكورية، وهي كاملة الأنوثة، وتفخر بذلك، وتخاف، كأغلب النساء، من أمور كثيرة كالكلاب والفئران. ولدت لراعي أبرشية، ومع هذا ترعرعت في أجواء متشددة سياسياً في ألمانيا الشرقية عام 1954، تحت الحكم الشيوعي، واتبعت ديانة والدها البروتستانتي، على الرغم من كونها عضوة في منظمات شبابية علمانية، وأتقنت اللغة الروسية والرياضيات، ودرست الفيزياء، ونالت درجة الدكتوراه في الكيمياء، ولها أوراق بحثية عديدة. قبل سقوط جدار برلين بقليل، وتوحد ألمانيا تالياً، عملت أنجيلا بقوة وإصرار وأصبحت عضواً في البرلمان (البوندستاغ) عام 1990، ونجحت ست مرات في الانتخابات الاتحادية اللاحقة. أصبحت عام 1994 الوزيرة الاتحادية للنساء والشباب، في وزارة المستشار هيلموت كول، ولم تتوقف حياتها السياسية عن التطور للأفضل، وأصبحت عام 2000 أول امرأة، أكرر امرأة، زعيمة لحزب ألماني رئيسي، يعمل تحت إمرتها مئات الرجال، وفي واحدة من أعظم دول العالم هيبة واقتصاداً واحتراماً وقوة. دعمت «أنجيلا» موقعها من خلال خطط إصلاح اقتصادية واجتماعية، مؤيدة أكثر للاتحاد الأوروبي، وسعت لتغيير قانون العمل الألماني، وإزالة حواجز تسريح الموظفين وزيادة العدد المسموح به من ساعات العمل الأسبوعية، وتخلصت من القوانين التي حدت من قدرة الاقتصاد الألماني على المنافسة، لأن الشركات لا يمكنها التحكم بسهولة في تكاليف العمالة عند بطء الأعمال. وفي نوفمبر 2005 أصبحت، أنجيلا، أو السيدة ميركل، مستشارة عموم ألمانيا، وقائدة لثمانين مليون إنسان، بينهم 40 مليون رجل، ولم يعب هذا ألمانيا، بل أصبحت تحت قيادتها، حتى اليوم، الدولة الأفضل في كل شيء. تمتعت هذه المرأة بعلاقات جيدة مع الرؤساء الأميركيين والرئيس بوتين، وسجلت رقماً قياسياً في حضور إحدى عشرة قمة عالمية، ووصفتها النيويروك تايمز بـ«آخر المدافعين عن الغرب الليبرالي»، و«زعيمة العالم الحر»، وهي امرأة أنثى، ولم يعب ذلك أحد من الدول أو الزعماء الآخرين. تزوجت أنجيلا عام 1977 طالب الفيزياء أولريش ميركل، ومنه أخذت اسم العائلة. انتهى الزواج بالطلاق، وتزوجت ثانية أستاذ الفيزياء الكم يواخيم زاور، وليس لديها أبناء من التجربتين، ولكن «ديرشبيغل» الألمانية الرصينة وصفتها بأم ألمانيا. تصدرت هذه السيدة قائمة مجلة فوربس لأقوى 100 امرأة للأعوام 2006، 2007، 2008، 2009، 2011، 2012، 2013، 2014، 2015 و2016. وسميت من قبل مجلة نيوستيتسمان عام 2010 الشخصية الـ50 الأكثر تأثيراً في العالم، ومنحت أعلى الألقاب والأوسمة وشهادات الدكتوراه الفخرية من أرفع الجهات العلمية. ميركل هي أول مستشارة ألمانية أنثى، وأول مستشارة نشأت في ألمانيا الشرقية السابقة، وأصغر مستشارة منذ الحرب العالمية الثانية، وأول مستشارة تولد بعد الحرب العالمية الثانية، وأول مستشارة تحمل شهادة دكتوراه في العلوم الطبيعية. كما أن هذه المرأة، وما أسوأ نظرتنا للمرأة! هي التي فتحت حدود بلادها لأكثر من مليون عربي من اللاجئين الفارين من دولنا الذكورية، وأعطتهم الأمان والدفء والجنسية، وهي أمور فشلنا جميعاً في توفيرها لهم.
***
ألا تكفي هذه السيرة الرائعة لرئيسة دولة عظيمة في كل شيء، وعشرات آلاف الأمثلة الأخرى، لأن يغير الكثير من «متخلفينا» نظرتهم للمرأة، وأنها بالفعل كاملة الأهلية لأن تكون أُمّاً وزوجة وأختاً وقائدة ورئيسة دولة؟
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw