بلير.. وقلة «دبرة» وزير المالية
عندما تقرر جهة توزيع مبلغ على عدد من الأفراد، فمن المهم التصرف بطريقة حصيفة. فتوزيع دينار مثلاً على عشرة أطفال، بواقع مئة فلس للطفل لا يعد تصرفاً جيداً. أما لو قمنا بشراء كرة بالدينار لتشاركوا جميعاً في الاستفادة منها أكثر من الـ100 فلس.
صرف، أو تبذير الحكومة لمبلغ 400 مليون دينار لتغطية فوائد البنوك نتيجة قرار تأجيل أقساط 470 ألف مدين كان قراراً غير حصيف، وافتقد الحكمة في كل جوانبه، ولن يستفيد طرف بطريقة عملية من تأجيل الأقساط سوى الجهات الدائنة، كالمصارف، التي مدت الحكومة آجال ديونها على المواطنين بفوائد مجزية من دون جهد منها، أما المدينون فلم يعن شيئاً للغالبية منهم، خاصة أن نسبة كبيرة منهم لم تطالب الحكومة بالتأجيل أصلاً، ومبلغ الأقساط المؤجلة سيضيع حتماً على غير الضروري من الأمور!
الجهة الملامة من صدور هذا القرار ليست مجلس الوزراء، الذي ربما اعتقد رئيسه أن تأجيل سداد قروض عدد من المواطنين سيصب في زيادة شعبيته، وربما يساهم في كسب ود بعض النواب، بل اللوم يقع على وزير المالية بالذات، الذي لم يحرّك إصبعاً أو يبدي اعتراضاً، منطقياً أو فنياً، يبين خلو قرار تأجيل أقساط القروض من أية حصافة أو فهم مالي كاف، وهذا من «قلة الدبرة أو الحيلة» لديه حتماً.
***
لم تحظ الكويت، طوال تاريخها الحديث، بوزير مالية مميز، إلا ما ندر جداً، ومنهم من نهب استثمارات الدولة وتسبب في إفلاس بعض أصولها في الشركات الأجنبية، وخسارة المال العام لعشرات مليارات الدولارات.
وزير المالية الحالي ليس أفضل من غيره في ضعف الأداء، وكأنه غير موجود أصلاً، وعذره ربما «أن قلة قدراته أو دبرته كانت معه حتى عندما كان وكيلاً للوزارة لسنوات طويلة، فلمَ تم اختياره؟».
قد يقبل البعض هذا التبرير، ولكنه قاتل. فمن لا يعرف كيفية قيادة حافلة ركاب فعليه رفض قيادتها حتى لو تعالت أصوات الجماهير والقادة مطالبة إياه بذلك.
***
ورد في تقرير توني بلير (2010)، الذي كلف الملايين وانتهى إلى الرف، تحذير بحدوث فوضى سياسية وفتنة أهلية متى ما كان هناك عجز في الميزانية، وهو ما سيضطر الحكومة للتضحية بمستقبل الأمة لإدامة واقع مصطنع والحفاظ على الشعب في سلام. وأن أي تغيرات ستجرى في مرحلة متأخرة لمكافحة العجز المتنامي في الميزانية ستغدو أكثر صعوبة لجهة تفسيره لشعب غير مستعد لتغيير أساليبه. كما سيدفع ذلك الحكومة إلى بلوغ وضع تحفظ فيه السلم الأهلي من خلال سياسات ضبط الأضرار التي ستفضي في نهاية المطاف إلى إفلاس الدولة على المدى البعيد.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw