علماء «الإصلاح».. وتغريدة العجمي
تتبع دول كثيرة نظام هيئة المحلفين بشكل أو بآخر، ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا والأرجنتين ونيوزيلندا، وذلك لإصدار الأحكام في الجرائم الكبرى.
يقتصر دور القاضي في هذا النظام على إدارة جلسات المحاكمة، والنطق بالعقوبة، بعد إصدار هيئة المحلفين قرار الإدانة.
يتسم هذا النظام بتعقيداته وتكلفته، مقارنة بالنظم المتبعة في دولنا. ففيه يتم إشراك المواطن العادي في عملية تطبيق العدالة الجنائية. ويتم اختيارهم والتحقق من أهليتهم بطريقة معقدة، وقد يستغرق الأمر بضعة أشهر، خاصة في الجرائم المعقدة. كما للمحامين حق الاعتراض على أي منهم. ويتم حجز المحلفين في مكان مغلق، طوال فترة المحاكمة وحتى إصدار حكمها، وتقطع صلتهم بمحيطهم، كيلا يتأثروا بما يقال وينشر من آراء في وسائل الإعلام.
***
في 25 مايو 2020 قام الشرطي الأميركي ديريك شوفين بقتل المواطن الأميركي جورج فلويد، من خلال الضغط على عنقه، إلى أن فارق الحياة.
استغرق الأمر أكثر من عشرة أشهر لاختيار هيئة محلفين وإجراء المحاكمة وإصدار حكمها بإدانة القاتل، وترك الأمر للقاضي للنطق بالعقوبة.
***
مع صدور الحكم انتشرت على وسائل التواصل تغريدة للسيد ظافر العجمي، ذكر فيها أن «نظام المحلفين» يعود أصله للمذهب المالكي وللقرن الثامن (!) من دون أن يبين إن كان القرن هجرياً أم لا! وزاد على ذلك، بثقة الأكاديمي، بالقول بأن النظام كان يتكون من 12 محلفاً يتم اختيارهم من الأخيار، ويحلفون بأن يحكموا بالعدل. وان الملك البريطاني هنري اختار العمل به في القرن 12!
ولم يبين لنا أي هنري فيهم، فهناك 8 ملوك بريطانيين يحملون هذا الاسم!
الطريف أن مصدر السيد ظافر العجمي هو قناة tyt التلفزيونية الأميركية، وليس كتب التراث الإسلامية، التي لم تتطرق، حسب علمي، إلى هذا النوع من القضاء، ولم نقرأ إلا عن «هات النطع يا غلام»!
***
بسبب شح تاريخنا من المنجزات، وهذا ليس عيباً، فهذا حال غالبية دول العالم، فالحاضر هو المهم وليس الماضي، إلا أن البعض يشعر بعقدة نقص، ويبحث عن أية قشة تنجيه من الغرق في بحر التخلف.
كما أصبحنا نكرر بأن كل منجز أو اختراع أو فضل علمي حديث كان «لعلماء دار الإسلام» فضل وأسبقية فيه، ثم نفاجأ بتقديم «جمعية الإصلاح»، الفرع المحلي للإخوان المسلمين، التي أشادت القبس بتاريخها المجيد، بتقديم قائمة لبلدية الكويت بأسماء 47 من «العلماء»، لإطلاق أسمائهم على الشوارع!
بقراءة كشف أسماء «الإصلاح»، مع كامل الاحترام لأسرهم، وبينهم من عاصرناهم، لم أجد اسماً واحداً لمن نسميهم «علماء الإسلام»! وهذا يعني عدم اعتراف الجمعية بهؤلاء! ولو كان بإمكان «الإصلاح» تغيير اسمي مستشفيي الرازي وابن سينا وغيرهما لما ترددت في ذلك!
فأين الحقيقة يا ترى؟
تنويه: أشكر سعة صدر هيئة تحرير القبس لقبولها نشر مقال يوم أمس، الذي انتقدْت فيه افتتاحيتها الأخيرة، وهذا يؤكد مصداقيتها، واستعدادها لنشر مختلف وجهات النظر، مع اعتقادي بأن هذا الاستعداد يجب ألا يمتد ليشمل نشر وجهات نظر الجهات المتشددة أو آرائها.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw