فلسطين.. ولجنة بيل!!
منذ عام 1937 والمجتمع الدولي يعرض تسويات للقضية الفلسطينية، لترفض منا، لاعتقادنا عدم عدالتها، ليستمر الصراع وتزيد خسائر الجانب الأكثر ضعفاً، وتقع المعارك والحروب ثانية وثالثة وتعرض تسويات جديدة، أقل جاذبية وترفض، وهكذا على مدى 84 عاماً، حتى خسرنا تقريبا كل شيء.
* * *
كانت أولى المحاولات، وأفضلها، لإيجاد حل للصراع الفلسطيني ـــ اليهودي، تلك التي قامت بها لجنة بيل peel البريطانية عام 1937، التي تطرق تقريرها لـ«تاريخ اليهود القديم» في فلسطين، وتاريخ العرب فيها. وكيف وعدت بريطانيا العرب بمنحهم الاستقلال إن وقفوا معها في الحرب العالمية الثانية، وأعطت وعداً بدولة جديدة لليهود إن وقف كبارهم معها في الحرب نفسها!
توصلت اللجنة إلى ضرورة تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، على أن تبقى الأماكن المقدسة في القدس وبيت لحم تحت الانتداب البريطاني.
رفض الفلسطينيون التقسيم والوجود الصهيوني؛ لأن اللجنة أعطت اليهود %33 من أفضل الأراضي في الوقت الذي لم تكن ملكياتهم الحقيقية منها تتجاوز %6.5.
كما ساهم الفارق الكبير بين مستويي الطرفين، العلمي والمالي في تخوُّف الفلسطينيين من المستقبل، فقد اهتم اليهود في فترة مبكرة بتنمية مواردهم وخلق صناعات قوية في مناطقهم، وافتتحوا أول جامعة عام 1925، وأصبحت مصدر قوتهم تالياً، مع بقاء أو تردي الوضع المالي والسياسي والعلمي للطرف الآخر، هذا غير الاختلافات الشديدة بين الطرفين من قومية ودينية ولغوية، وإقامتهما معاً ضمن حدود ضيقة لبلاد صغيرة نسبياً، مع تباين شديد بين طموحات كل طرف.
وتبين للجنة أنه من الصعب على أي من الشعبين منفرداً حكم فلسطين، ولا بد من التقسيم، شرط المحافظة على قداسة القدس وبيت لحم وتأمين الوصول إليهما بحرية وأمان لمن شاء. ولكن صعبٌ على العرب الفلسطينيين الموافقة على استقطاع مناطق واسعة من بلادهم، سبق أن استوطنوها قروناً طويلة. كما شعر اليهود أنهم سيضطرون إلى الاكتفاء بأقل من أرض إسرائيل التي سبق لهم أن حكموها ومنوا أنفسهم بحكمها ثانية ــ حسب رأي اللجنة.
ولكن اللجنة كانت تأمل بأن كلاً من الفريقين سيدرك في النهاية أن فوائد التقسيم ستفوق مساوئه، فهو سيحقق لهما الحرية والاطمئنان، وكان العرب سيجنون من مشروع التقسيم الأمور التالية:
1. الاستقلال.
2. زوال الخوف من «اكتساح» يهود العالم لوطنهم.
3. تقييد حدود الوطن القومي اليهودي تقييداً نهائياً، ووضع الأماكن المقدسة، بضمانة عصبة الأمم، تحت الانتداب الدولي، بحيث لن تصبح يوماً تحت هيمنة اليهود.
4. تلقي مساعدات مالية ضخمة من بريطانيا، ومن الدولة اليهودية، المزمع إنشاؤها. مع وعد بمنح مالية أخرى لاستصلاح الأراضي البور.
هذه لمحة تاريخية عن تاريخ القضية الفلسطينية، وكيف خسرنا جميعاً في حينها فرصة ذهبية، برفض ما اقترحته لجنة بيل لحل القضية، واستمرار رفضنا لما جاء بعدها من عروض مقترحات، وأصبح الوضع الحالي أكثر تعقيداً بكثير مما كان عليه.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw