الشملان وبلغريف
ينكب صديقنا الباحث يعقوب الإبراهيم منذ سنوات في البحث والتنقيب الدؤوبين في الأرشيف البريطاني عن كل ما يتعلق بتاريخ منطقة الخليج والعرب عموما، وأنشطتهم التجارية والتعليمية والسياسية، خصوصا أثناء حقبة النفوذ البريطاني في المنطقة، وعلاقة بريطانيا ببقية مستعمراتها السابقة، وبخاصة الكويت. ولو عرف صديقنا الإبراهيم ما يتضمنه بحر «اليوتيوب» من درر لما تردد في الغوص فيه ايضا بحثا عما يشده ويمتعه، خصوصا أن الصورة والكلمة المسموعة تكونان في أحيان كثيرة أكثر تأثيرا وابلغ في إيصال الرسالة. ومن الوثائق النادرة على «اليوتيوب» تسجيل لتقرير مصور، ربما قامت به الــ bbc في منتصف عام 1956، حيث يقوم مقدمه بزيارة البحرين، بعد تعدد واشتداد التظاهرات فيها، والمطالبة بدور أكبر في إدارة البلاد والتخلص من المستشار البريطاني بلغريف! ويقول مقدم البرنامج ان لبلاده علاقات جيدة بالبحرين كونها النقطة التي تدير منها بريطانيا مصالحها على امتداد شواطئ الخليج «الفارسي»! وانه يقف في المكان نفسه الذي فوجئ فيه وزير خارجية بريطانيا، سلوين لويد، أثناء زيارة مفاجئة له للجزيرة الصغيرة، بتظاهرة شعبية تطالبه بالضغط على حكومة البحرين لإدخال إصلاحات سياسية فيها وأن يكون للشعب دور أكبر في إدارة البلاد! ويقول المذيع ان لبلاده اتفاقية حماية مع البحرين، وهذا يوفر لها نفوذا كبيرا لدى قادته! ومن اطرف ما ورد في التقرير المصور على لسان مقدمه أن القوى الوطنية في الكويت كانت تراقب عن كثب ما كان يجري في البحرين من حراك سياسي، وأن البلدين يتشابهان في طريقة الحكم، وان الكويتيين ينوون الاقتداء بالبحرين في المطالبة بحق المشاركة. وقال المقدم إن المجتمع البحريني طالما تمتع بشكل عام بحرية تعبير أكبر، مقارنة بغيره، وكان لدى شعبها دائما رغبة في التحرر من الحكم البريطاني، مع شبه إجماع على وجوب مغادرة بلغريف وإنهاء نفوذه الكبير في الإدارة الحكومية. ومن الذين تمكن مقدم البرنامج من مقابلتهم المناضل البحريني عبدالعزيز الشملان، والذي أبدى تحفظا كبيرا على وجود بلغريف ودوره ونفوذه المشبوهين، وتدخلاته المستمرة في كل ادارة ومشكلة. ومعروف ان الشملان سعى للتخلص من نفوذ المستشار البريطاني، ولكنه عانى الكثير في سبيل ذلك، فقد قامت حكومة البحرين، وربما بإيعاز من بلغريف، بنفي الشملان إلى جزيرة «سانت هيلانه»، والتي سبق أن نفي اليها نابليون، كما نفت معه رفيقي دربه في «الهيئة الوطنية»، عبدالرحمن الباكر وعبد علي العليوات، بسبب دور الثلاثة في التظاهر ضد الحكم والتحريض على «الشغب» وعلى الوجود البريطاني. وفي 1961 أعيدت محاكمة الشملان في بريطانيا (!) وأفرج عنه ورد له اعتباره، واختار الاستقرار في سوريا، والتي بقي فيها حتى عام 1971، عندما عاد للبحرين لينتخب عام 1973 نائباً لرئيس المجلس التأسيسي، الذي وضع دستور البلاد. وعين بعدها سفيرا في مصر ومندوبا دائما للبحرين في الجامعة العربية، كما عين سفيرا في عدة دول أخرى قبل أن يتوفى في 30 ديسمبر 1988، عن 77 عاماً.