هل يخجل المتاجرون بالدين؟
عاش مسلمو الكويت لأكثر من ثلاثمئة عام، وعاش مسلمو الدول الأخرى لأكثر من ألف وثلاثمئة عام، من دون حاجة فعلية لأي منهم لهيئة تقوم بطباعة القرآن.
خلال كل هذه الفترة، وحتى ما قبل عشر سنوات، لم يتأثر دين مسلمي الكويت أو يتأثر إيمانهم نتيجة غياب هيئة تقوم بطباعة القرآن، وكان من الممكن أن تستمر الأمور على المنوال نفسه لألف سنة أخرى. خاصة ان دولاً عربية عدة تقوم بهذه المهمة منذ عقود طويلة، وباقتدار وخبرة جيدة، وإرسالها لمن يريدها، وغالباً مجاناً.
***
تقول القاعدة الهندسية أو المنطقية if it works don’t touch it، أي إذا كان نظام ما يعمل بطريقة سليمة فمن غير المجدي العبث به. فما الذي دفع حكومتنا عام 2011 لأن تعتقد أن النظام المتبع في الحصول على حاجة الدولة من نسخ المصحف غير فعّال ويجب استبداله؟
لم يحدث شيء، خاصة ان الإدارة المختصة بذلك في وزارة الأوقاف، ولا تزال تعمل، كانت تقوم بذلك لعقود عدة، ولم يكن مفهوماً سبب إصرار الحكومة قبل عشر سنوات على إصدار قانون بإنشاء هيئة عامة للعناية بطباعة القرآن ونشره، وتعيين مدير لها بدرجة وكيل وزارة، ومساعدين بدرجة وكلاء مساعدين، وإصدار مراسيم أميرية بتعيينهم، لكي تتكلف الدولة بعدها عشرات ملايين الدنانير كرواتب وغيرها لتغطية المصاريف الأخرى، ويعفى مدير ويعين غيره ويأتي ثالث ثم نكتشف، بعد عشر سنوت، أن الهيئة، لم تطبع حتى نسخة واحدة من القرآن على مدى 3650 يوماً؟
لذا، أصدرت الحكومة قراراً بحلها، وإعادة مهامها للإدارة المعنية في الأوقاف! ولكن تدخل وزير الأوقاف الكبير، عيسى الكندري، وأد القرار في مهده، ومدد لجيش موظفيها، تلبية لطلب الحزب الديني المهيمن، متعهداً بأن الهيئة ستنجز شيئاً قريباً.
تبيّن قبل أيام أن هناك نسخاً من القرآن متوافرة في السوق للبيع، لا تتضمن سورة كاملة من القرآن، فدفع هذا الوزير الكبير إلى إصدار إنذار للهيئة لإعلامه خلال ثلاثة أيام عن الحقيقة. تبيّن، حسب رواية هيئة طباعة القرآن، أن النسخة المشوهة ليست من طباعتهم، ربما لأنهم لم يطبعوا شيئاً!
***
يا سمو رئيس مجلس الوزراء، لقد مللنا وغيرنا من مطالبتك باتخاذ مواقف حازمة من الهدر. فحرام عليك وعلى حكومتك هدر أموال الدولة العامة لمراضاة جهات دينية من خلال تأسيس هيئة مكلفة وغير ضرورية فقط لكي يقفوا معك في البرلمان اليوم، و«يقصون الحبل فيك» في اليوم التالي، ليعودوا ويطلبوا المزيد وينسوك في اليوم الذي بعده!
إن على الوزير عيسى الكندري، الذي أصر على عدم حل الهيئة وكان وراء تعييناتها، مراضاة لجماعته، وهو الذي لم يحقق إنجازاً حقيقياً في أي منصب تقلده، والذي يحمل شهادة «إعاقة» تمنعه من العمل، أن يعترف بعجزه، فهو المسؤول الأول عن أخطاء الجهات التي يشرف عليها. فما الذي قام أو يقوم به جيش موظفي الهيئة على مدى عشر سنوات، خاصة وان اسم عدد من موظفيها ورد ضمن كشوف «الصفوف الأمامية»!
بعد كل هذا الهدر ، يأتي وزير المالية ليحذّر من احتمال توقف صرف الرواتب!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw