البدون.. والأم الكويتية
هناك دول لا تسمح أو لا تشجع الهجرة إليها كالهند والصين ومصر، ولأسباب سياسية أو عرقية، أو خوفاً من منافسة المهاجر للمواطن في سوق العمل.
لا يمكن تصور ما يمكن أن يضيفه المهاجر من إيجابيات لأي مجتمع يهاجر إليه، خاصة إن تم الاختيار بدقة. فالتنوع يضيف مجموعة نكهات وأفكار وألوان وأساليب حياة للمجتمعات التي يهاجر إليها. ومهما كان اقتصاد الدولة أو عدد سكانها كبيراً فإنها تبقى بحاجة إلى التجديد، وهذا ينطبق حتى على الصين، بتعدادها الضخم، فقد تبيّن لها أن قرارها السابق بالسماح للأسرة بطفل واحد لم يجعلها أمة فتية، فعدلت القرار بالسماح بطفلين، وهذا أيضاً لم يجدِ، فقررت قبل أيام السماح للأسر بإنجاب ثلاثة، لحاجتها الماسة إلى تجديد دماء شعبها.
***
يعتبر وضع المرأة الكويتية المتزوجة بغير كويتي، ولها أبناء منه، وضعاً غير مريح لأطرافه كافة. فأبناء هذه الأُسر كويتيون بالولادة وبصلة الأم وبالثقافة والقرابة العائلية والعادات، وكل ما له صلة بنفسية الإنسان، وبالتالي يصبح الأمر مقلقاً عندما لا يحق لهؤلاء البقاء في الدولة إن قرر والدهم مثلاً ترك الكويت، أو أجبر على تركها. فهؤلاء كلفوا الدولة، وأهاليهم، مبالغ طائلة صرفت على تعليمهم وعلاجهم، وقد يكونون من حاملي أعلى الشهادات الدراسية، ويشغلون في الوقت نفسه وظائف منتجة، وهم في وضع جيد أخلاقياً ودراسياً، وبالتالي فمن أفضل منهم في أولوية التجنيس، بدلاً من تسليمهم، متعلمين وأصحاء، لدولة أخرى لتستفيد من حيويتهم وخبراتهم؟
كما تصبح المسألة أكثر تعقيداً بعد وفاة والدة هؤلاء الأولاد، وتركها عقاراً مدراً أو عملاً تجارياً، فمن أفضل وأحق منهم ومن زوجها في إدارة تركتها، والمحافظة عليها وتنميتها لمصلحتهم جميعاً؟
ويصبح الأمر صعباً أيضاً إن توفي والد هؤلاء، حيث سيصبحون في وضع محير! فلا هم قادرون على الرحيل والعيش في الدولة التي يحملون جنسيتها، بالتبعية، ولا هم قادرون على الحصول على جنسية الدولة التي لم يعرفوا وطناً غيرها، دولة الأم التي ولدتهم وربتهم وعلمتهم، فهل هناك منطق أعوج أكثر من هذا؟
من الضروري بالتالي وضع شروط، حتى لو كانت قاسية، لتجنيس هؤلاء الأبناء، واختيار النوعيات الجيدة التي تنطبق عليهم شروط محددة، كالحصول على درجات دراسية عالية، أو حملهم لشهادات في تخصصات محددة تحتاجها الدولة، فهذا سيكون دافعاً للجميع لسلوك أفضل الطرق والحصول على أعلى الشهادات والتخصصات التي ستسهم تالياً في حصولهم على جنسية الدولة.
ما ينطبق على هؤلاء يمكن تطبيقه على «البدون»، الذين ينتظرون منذ سنوات حل وضعهم بطريقة مشرفة وإنسانية، ويمكن إخضاع هؤلاء لشروط التجنيس نفسها، أي تجنيس المبرزين منهم دراسياً أو في المجالات الحيوية الأخرى، فبقاء وضعهم على ما هو عليه جريمة بحقهم وبحق المجتمع.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw