من يحكم.. ومن يولّى عليكم؟
لدينا مجموعة من الأمثال الشعبية المتناقضة في معانيها، كقولنا: اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب. أو «احفظ القرش الأبيض لليوم الأسود»!
كما نقول إن رؤساء الدول يكونون غالباً من طينة شعوبهم نفسها، أو كما تكونون يولى عليكم. فالشعب المحارِب والمغامِر يختار غالباً زعيماً محارباً ومغامراً. ولو كان الشعب محباً للفنون فلن يختار حتماً من يكرهها، وهكذا.
ولكننا نجد من جهة أخرى أن مجتمعات ودولاً تتغير وتتشكل جذرياً بناء على رغبة أو رؤية من يتولى أمرها أو من يديرها، طبقاً لمقولة: «الناس على دين ملوكهم».
فالأسرة السليمة هي نتاج عمل الأم والأب، والشركة أو المدرسة الناجحة هي ثمرة جهود إدارتها العليا. وبالتالي عندما تفشل الأسرة أو الشركة أو المدرسة فإن اللوم يقع على الرأس الأعلى وليس على الأطفال أو العمال!
فعندما قرر الملك هنري الثامن تطليق زوجته، مخالفاً تعليمات بابا الكاثوليكية، عيّن نفسه رئيساً للكنيسة الإنكليزية، وخلال فترة قصيرة تحول غالبية الإنكليز عن الكاثوليكية واعتنقوا البروتستانتية، الدين الجديد الذي اعتنقه ملكهم.
وعندما قرر كمال أتاتورك القيام بثورته العلمانية، قاطعاً كل صلة بالخلافة العثمانية وإرثها الديني والثقافي، تبعه الشعب التركي من دون سؤال!
***
من واقع تجربتي ومعايشتي الشخصية مع التعليم على مدى نصف قرن تقريباً، أجد أن انحداره بدأ مع تسليم الحكومة وزارات التربية والتعليم والتدريب للتيار الديني ليشكله على هواه؛ ولنصل إلى هذا الدرك المتخلف في كل المخرجات! وهذا ما دفع الكثير من الأسر، المتعلمة والميسورة غالباً، لنقل أبنائها إلى المدارس الخاصة وغالباً الثنائية اللغة هرباً من المستوى المتدني للمدارس الحكومية، والأيديولوجية الدينية التي تعرضت لها عقول مدرسي التعليم العام، خاصة من الكويتيين والمصريين.
وخلال سنوات قليلة، تبين لكل من ألحق ابنه بمدرسة خاصة مدى صواب قراره، فقد ظهرت النتائج، وتبين فشل نظام التعليم الحكومي نتيجة تبادل الإخوان والسلف السيطرة على التعليم، وتخريب ما وضعه عبدالله الجابر وعبدالعزيز حسين من أسس تعليم ليبرالية!
***
شباب «كويت 2021» هم نتاج مرحلة تعليم لم يتوقف فيها الانحدار على كل المستويات. وكان من الممكن تلاحق الأمر ومعالجته لو لم تضربنا جائحة كورونا، والأهم من ذلك لو كان لدى الحكومة «شبه نية» في وضع خطة تعليم ملزمة لجميع من سيتولى أمور الوزارة للسنوات العشر أو العشرين المقبلة، لكي يمكن انتشاله من الدرك الذي وصل له. ولكن استمرار الأزمة الصحية واستمرار غياب الإرادة والرغبة في التطوير، وتزايد أعداد مواليد الكثير من الأسر، وفي مناطق محددة، مع «شبه لا تعليم» في المستقبل المنظور، فإن الخطر الأكبر الذي يواجه الدولة ليس نضوب النفط أو تدهور أسعاره أو شح الموارد أو تآكل أموال الأجيال القادمة، بل المستوى المتدني لمخرجات المدارس، والذي سينعكس بسرعة على المجتمع، بتوليفة من نقص الأموال وسوء تربية وتدنٍ واضح في الأخلاق والتعليم!
سأستمر في دق جرس الإنذار المرة تلو الأخرى، فليس بمقدوري ككاتب فعل شيء أكثر من ذلك.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw