تآكل المواطن الكويتي واندثاره
استغربت لاستغراب البعض من تردي مستوى جامعة الكويت في التصنيفات العالمية، بعد أن حلت في المستوى من 1001 إلى 1200، في تصنيف qs لسنة 2022، بعد أن كانت في المستوى 801 ـــ 1000 قبلها بعام فقط. وصاحب هبوط مستوى الجامعة اللافت ارتفاع ملحوظ في مستويات الجامعات الخاصة، وبالذات جامعة الشرق الأوسط الأمريكية aum، التي حصلت على المركز الأول محلياً، والـ33 عربياً في تصنيف qs، والتي حصلت على مراكز وجوائز علمية متقدمة بالرغم من قصر تاريخها الأكاديمي النسبي.
***
ما حدث مع جامعة الكويت من ترد حدث ما يماثله في كل مرافق الدولة، من دون استثناء تقريباً، ولا شك أن المسؤولية تقع على الحكومة، التي قبلت تسليم التعليم لقوى دينية متخلفة ومسيسة، من مرحلة رياض الأطفال وحتى الجامعة، إضافة لإصرارها على التعامل مع مرفق التعليم كتعاملها مع الجواخير والمزارع، فوزير يمنحها، وآخر يسحبها، في غياب تام لأية خطط تتعلق بالأمن الغذائي. وهكذا مع التعليم حيث يأتي وزير ويقرر الاستعانة بالبنك الدولي لتطوير التعليم أو الاستفادة من تجارب فنلندا أو سنغافورة، أو فرض تعليم اللغات العالمية الحية في مراحل التعليم المبكرة، فيأتي وزير تابع غالباً لقوى التخلف فيلغي كل اتفاقيات الاستعانة بالخبراء، ويأتي آخر يماثله سوءاً ويطرد الاستشاريين الدوليين، ويستجيب ثالث لقوى الضغط المتخلفة ويلغي تدريس اللغات العالمية في المراحل المبكرة، وما كان لكل ذلك أن يحدث لو كانت هناك خطة تعليم ملزمة للجميع، لا يحق لأية جهة من داخل الوزارة المس بها، سواء الوزير أو غيره.
كما أن من السخف إعطاء أصحاب الجامعات الخاصة أراضي حكومية بموجب عقود تنتهي خلال عشرين سنة، وكأن بناء جامعة وانتظار مخرجاتها لا يختلف عن منح أرض حكومية لسوق مركزي أو حمام عمومي؟
***
لتأكيد تردي وضع جامعة الكويت، فقد انتشرت رسوم بيانية تبين مدى انخفاض إنتاجية المدرس الجامعي، وخاصة في المواد العلمية كالطب والعمارة، ولكن ما العمل ومخرجات الثانوية بهذا السوء!
كما أن الاعتقاد بوجود فرصة أمام وزير التعليم العالي لتحسين تصنيف الجامعة، اعتقاد غير واقعي، خاصة بعد التشكيل الهزيل لمجلس أمناء جامعة الكويت، مع الاحترام لأعضائه. فالمشكلة ليست فقط فيهم أو في الهيئة التدريسية وانتشار الممارسات اللاأخلاقية كالغش، وندرة البحوث والدراسات، بل في النظام التعليمي ككل.
وبالتالي فإن رفع كفاءة جامعة الكويت ورفع تصنيفها لا يمكن أن يتحقق بغير رفع مستوى ما يسبقها من مراحل دراسية. فنحن بحاجة ماسة لثورة تعليمية من خلال «مجلس أعلى للتعليم»، تكون مهمته وضع خطة تعليم ملزمة تشمل جميع المراحل، قابلة للتطوير للأفضل من قبل المجلس نفسه المكون بكاملة من أعضاء تتوافر فيهم شروط معينة، وليس لهم أية ارتباطات بأي من الأحزاب الدينية، المعلنة والسرية، وللمجلس الاستعانة بكل الخبرات العالمية، وعقد الاتفاقيات مع مختلف الجهات، وإلغاء بعض أو كل المناهج الحالية واستبدال مناهج عصرية جديدة بها. وأن يستمر عمله لفترة طويلة نسبياً، ولا يحق لوزير التربية والتعليم ووكلاء الوزارة التدخل في شؤون المجلس الأعلى أو أن يكونوا أعضاء فيه، بل تطبيق قراراته.
قد لا يكون هذا الاقتراح عملياً لدى البعض، ولكن إبقاء الوضع على ما هو عليه يعتبر وصفة لاستمرار التحلل والتآكل في مكون المواطن الكويتي.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw