أنانية ضباع أسبانيا وغربان تايلند

كتبنا قبل يومين عن مقترح مشاركة المتقاعدين في جزء من أرباح مؤسسة التأمينات، وكما توقعنا فقد تعالت أصوات المختلفين معنا، من جماعة «خذ ما اتخذ»، و«التجار أكلونا»، و«عطونا فلوس فالدولة غنية»، الذين لا يهمهم مستقبل الوطن ولا رفاهية مواطنيه، ومهاجمتي شخصياً وتأليب الكبار عليّ، وكأنني مستفيد مباشرة من «حرمان» المتقاعدين من أرباح «مؤسستهم»!
***
وجهة نظري واضحة: لا يجوز لا قانوناً ولا عرفاً ولا محاسبياً أبداً إشراك المتقاعدين في أي جزء من أرباح مؤسسة التأمينات، فأموالها ملك المتقاعدين وملك موظفي الحكومة والشركات الخاصة، وسحب أية مبالغ من احتياطيات المؤسسة يشكل ضرراً مباشراً على المشاركين في الضمان، وبينهم أبناؤنا! وما يجعل توزيع جزء من الأرباح على المتقاعدين أمراً غير سليم، بخلاف عدم قانونيته، هو وضع مؤسسة التأمينات المالي الذي يشكو من عجز اكتواري ضخم، والحكومة ملزمة بتغطيته من المال العام، وهذا ما يحصل، فالميزانية العامة تتضمن سنوياً مبالغ دعم لمصلحة مؤسسة التأمينات بخلاف حصة الحكومة من اشتراكات العاملين فيها من مدنيين وعسكريين. وقد بلغ حجم العجز المعلن 17 مليار دينار، أو 66 مليار دولار، أي نحو %11 من إجمالي قيمة احتياطي الأجيال المقبلة، وذلك حسب البيانات المالية للمؤسسة للسنة المالية 2018/2019 التي عرضت في مجلس الأمة، وربما تزايد العجز مؤخراً مع تزايد أعداد المتقاعدين.

 كما أن التحدي الأكبر الذي تواجهه التأمينات الاجتماعية لا يقتصر فقط على هذا الكم الكبير من العجز الاكتواري، بل وأيضاً في تسارعه المخيف، وهذا ما دفع الخبراء إلى التحذير من تفاقمه. فقد بيّن تقرير «الشال» أنه في حال استمرار زيادة العجز بهذه الوتيرة خلال السنوات المقبلة فإنه سيتجاوز الـ33 مليار دينار.
***
تبلغ أعداد المتقاعدين 140 ألف مواطن تقريباً، في حين يبلغ عدد العاملين في الحكومة والقطاع الخاص 450 ألفاً، والأخطر من ذلك أن المرشحين لدخول سوق العمل في السنوات الـ15 القادمة يبلغ 440 ألفاً، فكيف يمكن صرف جزء من أرباح المؤسسة، وبطريقة غير قانونية أصلاً لـ140 ألف مواطن، وإهدار حقوق ما يقارب المليون غيرهم مستقبلاً؟

لا شك في سلامة نية وإخلاص من أيد مقترح مشاركة «المتقاعدين» في أرباح مؤسسة التأمينات، ولكن علينا أن نعرف أن سلامة نظام التأمين الاجتماعي تعتمد على مراعاة دقيقة لأثر كل سياسة أو قرار مالي يمكن أن يؤثر على توازن التدفقات المالية الداخلة والخارجة في الحاضر وفي المستقبل.

كمتقاعد، سأستفيد حتماً من المبلغ الذي سيتم توزيعه من أرباح المؤسسة، وهذا ما لا أريده، بل وأخشى كثيراً من تبعاته، ومن الحكمة بالتالي عدم الإنصات إلى طلبات بعض متقاعدي أسبانيا وتايلند، الذين لا تهمهم مصلحة الوطن بقدر ما تهمهم مصالحهم الأنانية والآنية.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top