قصتان في صورتين
تغني الصورة، في أحيان كثيرة، عن ألف كلمة!
***
الصورة الأولى: جمعت صورة الوفدين الرسميين لرئيسي الوزراء الكويتي والبريطاني في آخر لقاء لهما. جلس أعضاء الوفد الكويتي قبالة أعضاء الوفد البريطاني، وكان واضحا انشغال البريطانيين بتدوين ما كان يجري من حديث بين الرئيسين. أما أعضاء الوفد الكويتي فلم يشغل أحد منهم فكره بتدوين ما كان يجري، بل اكتفوا، كالعادة، بوضع أيديهم على خدودهم!!
لا يلام هؤلاء على تصرفهم، فهذا ما تعلموه، أو تعلمناه، ممن هم أكبر منا ومن مناهج مدارسنا، ومن عاداتنا وتقاليدنا، فالتدوين والتأريخ ليس من بينها، ولهذا نسعد كثيرا عندما نقرأ نص خطاب أرسله تاجر في الكويت قبل 100 سنة لأخيه في «بومبي» ونضع الكتاب في المتحف ونحافظ عليه كشيء نادر، ليس فقط لقيمته المعنوية، بل وأيضا لندرة مثل هذه المستندات في مجتمع كان وما زال يؤدي الكثير من أموره شفاهة! فعقد القران مثلا، والذي كان لسنوات قليلة خلت، الأمر الأخطر في حياة 90% منا، كان يتم دون تدوين. وحتى المصاحف الخمسة أو الستة التي جمعها ودونها الخليفة «عثمان بن عفان»، لم يستطع المسلمون المحافظة عليها، وصونها، بالرغم من عظم أهميتها، بل ضاعت جميع نسخها الأصلية، ولم يبق منها غير أجزاء هنا وهناك.
***
أعادتني صورة الرئيسين لحادثة جرت قبل أكثر من خمسين عاما، عندما كنت أعمل في بنك الخليج، حيث طلب مني المدير الاسكتلندي «مكلاود» أن أنضم له، كجزء من برنامج تدريبي على العلاقات الدولية، عند استقباله لوفد من بنك ياباني كبير.
حضر أعضاء الوفد الثلاثة، واستغرقت المقابلة قرابة الساعة، لم يتوقفوا خلالها عن طرح الأسئلة المعدة سلفا بعناية، وقيام الثلاثة بتدوين إجابات «مكلاود» عليها، ثم غادروا فجأة، بحجة ارتباطهم بموعد آخر!
سألني مكلاود عن انطباعاتي عن المقابلة، فذكرتها له وسألته عن سبب قيام الثلاثة بعملية التدوين، وعدم الاكتفاء بواحد منهم، فقال إنهم حريصون على دقة التدوين، حيث يقومون بمقارنة النصوص الثلاثة وتغطية ما سها سماعه من أحدهم، فخرجت مني لا شعوريا تنهيدة أسى واضحة وأنا أقول، بالعربية: خلف الله علينا!
***
أما الصورة الثانية فيعود تاريخها لعام 1957 وهي لشيخ الأزهر والإمام الأكبر «أحمد حسن الباقوري»، وهو يقف مع ابنته غير المحجبة، التي تبدو في سن النضوج، وشعرها معقود بضفائر جميلة خلف ظهرها، ترتدي فستانا من نوع «الحفر» الذي يكشف ذراعيها، مع التعليق التالي على الصورة، ممن أرسلها: لو خرجت اليوم فتاة عادية ابنة رجل عادي بهذا الشكل لنالها ووالدها الكثير من الكلام الجارح، وان الفنانة الراحلة «فاتن حمامة»، كانت تقول، في وصف حالنا: «كنا مجتمعات محترمة بملابس متحررة وعقول نيرة. فأصبحنا نعيش في مجتمعات «متسيبة»، بملابس محتشمة وعقول عفنة!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw