ثلاثية بصمات العرب
«كل الامم عرضت تاريخها للنقد الا العرب، وكل الامم نزعت القداسة عن تراثها الا العرب. وكل الامم تتطلع الى مستقبل يقطع مع مساوئ ماضيها الا العرب، فهم يرون مستقبلهم في عودة الماضي. كل الامم ترى ان الدين لله والوطن للجميع الا نحن، وكل الامم تجاوزت الفصل بين السياسة والدين الا نحن، وكل الامم تعشق الفنون والثقافة وتحترم المرأة الا العرب، كما يحرمون الفن ويؤسسون لثقافة القبور وغسل الموتى وتغليف المرأة. كل الشعوب تلد أجيالا جديدة، الا نحن نلد آباءنا وأجدادنا، وذلك بغرس طبائعهم فينا وحثهم على التمسك بها والحفاظ عليها!» (عبدالله القصيمي - رجل دين سابق ومفكر سعودي راحل).
***
عندما يعيش البشر في مناطق صحراوية قاحلة تفتقر إلى أساسيات الحياة فان سلب ونهب بعضهم البعض، عن طريق الغزو، يصبح الملاذ الأخير لاستمرار الحياة. وقد عاش جميع سكان الصحارى، والعرب منهم، آلاف السنين يغزون بعضهم البعض، وجاء الاسلام في جزيرة العرب، وانتشر الدين، وعندما استقرت الأمور تم توجيه قوة الغزو للخارج، اما للحصول على غنائم أو لنشر الدين. وربما كان الغزو تاريخيا السبب في نشوء القبائل، في ظل غياب حكومات قوية، أو ما قبل وجودها! فالقبيلة، بتقاليدها وقوانينها غير المكتوبة، هي الحامية للمنتسبين اليها، وهي أداة تنظيم العلاقة بينهم وبين الغير، وبالتالي يمكن القول إن بداية وضع العرب لبصماتهم «الثلاث» الخاصة على تاريخ العالم كانت مع الاسلام، واستمرت معه، ولا تزال. وجاءت البصمة الثانية مع نجاح العباسيين، قبل أواخر سنوات حكمهم في بغداد، في جعل بغداد عاصمة العالم في العلم، نتيجة سياسات التسامح القومي والديني التي اتبعوها، والتي كانت نتيجة لتلاحق وتلاحم خبرات وثقافات ديانات متعددة، مما ادى لأن تعطي بغداد البشرية نخبة من أفضل العلماء.
ثم جاءت البصمة الثالثة والأخيرة مع مرحلة الربيع العربي، غير متناسين بصمات كثيرة أخرى، وهي تسمية غربية جاءت تأسيا بربيع «براغ» عام 1968، ومحاولة دوبتشك الانقلاب على السوفيت! فالربيع العربي فرض نفسه على الخارطة السياسية العالمية، وأصبحت ثورات العرب وانتفاضاتهم والتغيرات السياسية الجذرية التي صاحبتها مادة دسمة للدراسة ولأجهزة مخابرات وموضوعا اعلاميا مهما! كما اصبح هذا «الربيع» يمثل هاجسا للكثير من الدكتاتوريات، حتى غير العربية، وأعتقد ان أثره سيستمر لفترة، فلم نر بعد نهايته! كما أن العالم، والشرق الأوسط بالتحديد، أصبح بعده غير ما كان عليه، ولن تعود أوضاعه لما كانت عليه، ولن تقبل الشعوب بأقل من الحرية والكرامة، فقد تهدم، ربما الى الأبد، حاجز الخوف! أما أولئك الذين يحاولون وقف عجلة التاريخ والعودة بنا للقرون الوسطى فطيشهم وطموحهم للحكم والثراء ورغبتهم في التمتع بالسلطة، وما يفتقدونه بشكل عام من قوة فكرية وأخلاقية وفلسفية، ستقضي عليهم في نهاية الأمر.