كوريا وفخرو

كتب الطبيب والوزير البحريني السابق علي محمد فخرو مقالا قبل فترة، تساءل فيه عن سبب نجاح كوريا خلال 40 عاما في زيادة معدَّل دخل الفرد فيها من 64 دولاراً ليصبح 20 ألف دولار؟ وكيف تحولت من دولة زراعية متخلّفة الى إحدى الدول الصناعية المتقدمة، وامتلكت شركات صناعية عملاقة تعمل في عصب الحياة العصرية، من تكنولوجيا الإلكترونيات والعلوم الحياتية والمركبات بأنواعها، وحتى أكبر شركات المقاولات. وتساءل كيف استطاعوا، بمساعدات أميركية متواضعة، لم تزد على 60 مليار دولار (دفعت من 1946 وحتى 1978)، بناء أسس نهضة اقتصادية، بحيث إنها تحولت من بلد يستجدي إلى بلد يقدم المساعدات! ويقول إن أسئلته طرحها في ندوة دعي إليها في الإمارات، تعلقت بالتعاون الكوري الخليجي. وقال ان ما لفت نظره أن المتحدثين في الندوة ركزوا جلّ اهتمامهم على الجوانب المظهرية والتجارية للعلاقات الثقافية، من تبادل أخبار وأفلام وصحف وترجمة كتب الطرفين والسياحة، وزيارات الأساتذة والطلبة والباحثين، وكلها لا تمس جوهر الموضوع الثقافي. ويقول ان جوهر الموضوع يظهر جلياً عندما نقابل الأسئلة السابقة الذكر بشأن كوريا الجنوبية، بطرح أسئلة مماثلة عن منطقتنا. فخلال تلك العقود الستة واتتنا فرص تاريخية، عندما وصل الدخل الإجمالي عبر فترة وجيزة إلى عدة تريليونات من الدولارات، وكان باستطاعة تلك الثروة نقل بعض من أقطارنا إلى دول صناعية متقدمة، كما فعلت كوريا الجنوبية، أو على الأقل أن تكون لدينا شركات بترول عملاقة، مع إمكانات علمية وبحثية في حقول الطاقة بالغة التقدم وتضاهي مثيلاتها في العالم. لكن ذلك لم يحدث، بل تراجعت قدراتنا وانتكست آمالنا بشكل مفجع، ورجعنا إلى الاعتماد شبه الكامل على الشركات الأجنبية في استخراج البترول أو الغاز وتصفيته ونقله وتوزيعه وتطوير تكنولوجياته! ويقول فخرو إن كوريا نجحت في بناء نفسها بسبب اختلاف ثقافتها، فلديهم ثقافة أدت إلى بناء نظام تعليمي يعد من بين الأفضل في العالم، والذي بدوره جعل مستوى تعليم الفرد هو أساس المنافسة والفرص في داخل مجتمعهم، وهذا خلق إنساناً مالكاً لسلوكيات العمل الجاد والانتظام واحترام الوقت والالتزام الضميري تجاه الإتقان والجودة في ميادين العمل والنشاطات الإنسانية الأخرى.. إلخ المقال. ما تطرق إليه السيد فخرو سبق أن كتبنا عنه عدة مقالات، وما عجز عن قوله هو ان طريقة معيشتنا وممارستنا لواجباتنا اليومية، وفهمنا لما تعنيه الثقافة ومناخ الاضطهاد الذي تعيشه كل مجتمعاتنا فيما يتعلق بالحريات السياسية والدينية والثقافية، هو السبب الأساسي لتخلفنا، فمن المستحيل تقريبا في الظروف الحالية التخلي عن «عاداتنا وتقاليدنا»، وعلينا بالتالي أن نختار بين الدنيا أو الآخرة، فلا حلّ سحرياً يجمع بينهما.

الارشيف

Back to Top