التركة السيئة

   
كتب لي صديقي فؤاد يقول إنه أصيب في الفترة الأخيرة بعارضين صحيين خطيرين، تسببا في تعرضه لآلام مبرحة، اشتكى في الأول من صعوبات شديدة في التنفس، وفي الثاني فقد القدرة على السير حتى لمسافة قصيرة، بسبب آلام مبرحة في قدميه! وقال ان التشخيص «الدقيق» بيّن أن صعوبة التنفس ناتجة عن سنوات التدخين الطويلة، وهنا وصف له «الاخصائي» دواء للرئة! أما تورم قدميه فقط شخصه اخصائي آخر بأنه نقرس! وقبل أن يكتشف فؤاد خطأ التشخيصين كان قد تناول كميات كبيرة من الأدوية، ذات الأعراض الجانبية السيئة وغير الضرورية اصلا، وعانى من استمرار الآلام وصعوبة التنفس لشهرين آخرين، ولولا الصدفة التي قادت طبيبا معروفا سأله عن سبب ضيق تنفسه، بعد أن شاهده يلهث على درج أحد المستشفيات، وطلبه القيام بفحص شرايين قلبه فورا، لبقي فؤاد حتى الآن يعالج رئته «الصالحة» بأدوية لا لزوم لها! تجربته مع التشخيص الخاطئ دفعته لمراجعة اخصائي آخر لفحص آلام قدميه، التي استمرت بالرغم من كميات الأدوية التي تناولها على مدى أسابيع، وهنا أيضا تبيّن خطأ التشخيص، انه لا يشكو من النقرس، بل يعاني من مشاكل في أعصاب القدم! لم يصدق صاحبنا ما سمع فحمل تقاريره وسافر الى أميركا، وفي مستشفى جامعة «هارفارد» أكدوا له صحة التشخيصين الجديدين، وكانت تلك نهاية معاناته وآلامه! وهنا يقول ما كان ليتعرض لكل تلك الآلام والمعاناة وتناول كل تلك الأدوية لو كانت الوزارة تتبع نظام «الرأي الطبي الثاني» second opinion، وخاصة في حالة الأمراض الخطيرة والمستعصية. كما ينصح حتى بعدم الأخذ بالرأي الثاني إن لم يتفق مع الأول، واللجوء الى رأي ثالث، حتى يتطابق رأيان منهما، وأن عدد الحالات التي حدثت بها تشخيصات خاطئة لا تعد ولا تحصى. ويضيف أن وزارة الصحة تعاني من مشاكل ضخمة ليس من السهل على أي وزير، ولو كان بمكانة د. هلال الساير، حلها، فالموضوع يحتاج ليس فقط الى قدرات من يماثله قوة، بل والى الدعم السياسي والوقت الكافي! وحيث ان هذه يصعب تحقيقها في ظل الاضطراب السياسي الذي تعيشه البلاد، فالحل هو في اعتماد خطة الإصلاح من قبل مجلس الوزراء، وتكليف وكيل مساعد بتنفيذها، بعد منحه صلاحيات كاملة، تمنع أي وزير صحة أو وكيل من التدخل في صلاحياته!
وفي الختام نقول ان الخطة الحكيمة التي بدأ د. الساير بتطبيقها في إصلاح وضع مستشفياتنا المترهل، عن طريق ربطها ببروتوكولات تعاون طبي وتقني مع مستشفيات عالمية، بعيدا عن السياسة والمصالح الشخصية، معرضة لخطر الإلغاء! لاحتمال عدم عودة د. هلال للوزارة، ومن سيأتي بعده ربما لن يكمل السير في خطة سلفه الإصلاحية، وسنعود حينها الى نقطة الصفر! وحتى ذلك الوقت دعونا نضع أيدينا على قلوبنا، ونطالب بالرأي الثاني والثالث، قبل ان نغز إبرة في أجسادنا الطاهرة.

الارشيف

Back to Top