الملف الممل والمتعب

ملف العلاقة بين الكويت والعراق، وتبعية هذه لتلك، وإشكالات الحدود، أصبحت بالفعل ملهاة، وموضوعاً مكدراً ومتعباً للطرفين، ولن يستفيد منه غير أعداء الطرفين. فلا الكويت ستعود للعراق، لأنها كانت يوماً تابعة للبصرة، ولا البصرة وبغداد ستعودان لتركيا، لأنهما كانتا في نفس فترة تابعية الكويت لها، تابعتين للعثمانيين!

تاريخياً، يعتبر تأسيس الكويت، كدولة وأرض معروفة الحدود، ومعلومة التسمية، ونظام حكم معروف ومتصل، من دون انقطاع، على مدى مئات السنين، واسم وعلم يعرف بها ويدل عليها، ويرفع على مبانيها وسفنها، ومعاهدات اتفاقيات تربطها مع أطراف المنطقة، مقارنة بتأسيس الدولة العراقية الحديثة، التي لم يعرفها العالم، بحدودها الحالية، وعلمها وحكوماتها وحكامها إلا في عام 1920، فليس هناك رئيس وزراء ولا ملك ولا رئيس جمهورية معروف الاسم قبل ذلك، بعد أن قررت بريطانيا حينها إرخاء قبضتها على العراق وإنشاء دولة ملكية فيه، ومجلس تأسيسي برئاسة عبدالرحمن النقيب، وكانت أولى مهامه البحث عن ملك وتنصيبه، فعقدت اللقاءات وجرت الاتصالات مع الزعماء والشخصيات المعروفة في بغداد والبصرة والموصل، فضلاً عن إسطنبول، واستقر الرأي في أغسطس 1921 على تنصيب فيصل بن الحسين، ابن الشريف حسين، وشقيق عبدالله، أمير شرق الأردن، ملكاً على العراق، وبضغط بريطاني واضح. وكان النقيب وحاكم الكويت مبارك الصباح، وحاكم المحمّرة خزعل بن مرداو، من المرشحين لحكم العراق. وهكذا تأسس العراق قبل 100 سنة، بحدوده المعروفة، ولم يأت أحد يومها ويدّعي تبعية الكويت للعراق. وكل ما قيل عن رفع العلم العثماني لفترة قصيرة في الكويت، ولأسباب عقائدية وليست سياسية، حدث فترة سريان معاهدة الحماية مع بريطانيا (1899)، وقيل إن ذلك التصرف أثار غضب معتمدها في المنطقة!

ولو قمنا، تجاوزاً، بالإقرار بأن الكويت كانت تابعة، في فترة ما، للدولة العثمانية، مع عدم صحة ذلك، فلا يعني ذلك أننا أصبحنا جزءاً من العراق، فالعراق ليس وريث الدولة العثمانية، بل تركيا هي الوريث الطبيعي، وهي التي يحق لها، وأيضاً مجازاً، المطالبة بالكويت وليس العراق، حتماً! ويعني أيضاً، وبتلقائية مفرطة، عودة ولاية الموصل لتركيا، بمساحتها الضخمة وثرواتها النفطية الأكثر ضخامة، فقط لأنها كانت يوماً مقاطعة تركية، لكن ضمتها بريطانيا، بالقوة للعراق.
***
أثيرت مؤخراً قضية إبطال المحكمة الاتحادية العراقية لاتفاقية الحدود البحرية مع الكويت! والحقيقة أن المحكمة لم تبطل الاتفاقية، بل أبطلت إجراءات تصديق البرلمان العراقي عليها لعدم دستوريتها. وعليه، ستقرّ المحكمة الاتحادية بعملية التصديق عاجلاً أو آجلاً، إذا تمت الإجراءات البرلمانية بشكل دستوري.

إذاً المحكمة لم تعترض على الاتفاقية، بل كان اعتراضها على سلوك البرلمان في عملية التصديق.

هذا، برأيي، كلّ ما في الأمر، ولا يريد البعض استيعابه، فالناس غالباً ما ينجذبون إلى تصديق المثير من الأخبار، وليس إلى الرصين والمعقول منها، حتى لو كان منطقياً. وبالتالي لا أثر للأمر على الكويت بتاتاً، وهو شأن عراقي خالص!

المشكلة الحقيقية بيننا وبين العراق أن الجهلة والمستفيدين من توتر الوضع بين البلدين، لا يعلمون كمْ يمكن للعراق والكويت الاستفادة من بعضهما، متى ما صفت النوايا، وتم التخلي عن سخيف القول وهراء المطالبة.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top