متميزة.. لذا تتعرّض للهجوم!

انتقد الكثير من المثقفين، وأنصافهم، خصوصاً بين الخليجيين، ديموقراطية الكويت، وما جرّته عليها، وربما عليهم، من «ويلات»، وأوضاع ما كانوا يرغبون في مواجهتها. فتجربة الديموقراطية في دولة عربية، وخليجية صغيرة، أمر لم تكن الكثير من الدول تنظر إليه بعين الرضا والقبول لأسباب يطول شرحها، متناسية أن ديموقراطيتها وشرعية حكم الصباح كانتا الأساس الذي اعتمدت عليه 34 دولة في قرارها المشاركة في تحريرنا عام 1991 من نير حكم صدام، والدليل على ذلك وضع ليبيا، فعندما قررت قوى كبرى، بدعم مالي ولوجستي خليجي واضح، الإطاحة بنظام القذافي الجائر والظالم، لم يذرف شخص عاقل دمعة على المصير الذي لقيه، والأمر نفسه يسري على الغزو الأميركي للعراق، فعدد من سرّهم الإطاحة بنظام الدكتاتور الدموي والأحمق صدام فاق بمراحل عدد من تباكوا عليه، صدقاً! وما حدث تالياً في ليبيا والعراق من خراب ما كان يمكن أن يحدث لو كانت حكومتا الدولتين تحترمان شعبيهما ورفاهيتهما. فالفوضى التي تسودهما الآن هي نتيجة مباشرة لتصرفات صدام والقذافي، اللذين لم يتعلما من دروس التاريخ.
***
من المهم التذكير والقول، وتكرارهما، إن ما يحصل «حالياً» في الكويت من صراع سياسي وتناحر واختلاف، وبطء في العملية التنموية وتوقف للمشاريع، واستفحال المشاكل، لا ذنب للديموقراطية فيه، فمن المضحك انتقاد مستوى مصنعية سيارة جيدة، لأنها تعطّلت، متناسين أن العطل يعود إلى تقاعس مالكها عن عدم إجراء الصيانة الدورية عليها، فالعيب ليس في السيارة بل في طريقة اقتنائها والمحافظة عليها. والديموقراطية التي أصبحت في نظر البعض «كخة»، كانت السبب الأول والأخير لكل ما أبدعت فيه الكويت، مسرحياً وفنياً ورياضياً وعلمياً، لأن الإبداع كان ولا يزال ودائماً بحاجة إلى مناخ الحرية.

يقول البعض إن الديموقراطية التي لا تحقق تنمية وتطوراً وعدالة ومساواة، هي ديموقراطية عرجاء وحمقاء لا نريدها! وهذا يشبه من يقول إن المركبة التي تتعرّض للعطل يجب التخلص منها، متناسياً أن العطل حدث بسبب تقاعسه «المقصود» عن القيام بما تتطلبه السيارة من صيانة دورية وعناية في «القيادة»! وكما أن المركبة بغير الصيانة لا تعمل في كل الظروف بشكل ممتاز، فإن الديموقراطية بغياب الرعاية والعناية تصبح معطلة.
***
ما يطالب به البعض، وبسذاجة مفرطة، كما طالب الرطيان وغيره، أن أعطي أو أتنازل عن حقي في الكلام والعمل، والعدالة، ضمن أمور كثيرة أخرى، مقابل أن أحصل على ما «أصبحت» تتمتع به المدن الخليجية الأخرى من تقدم مذهل على صعيد الخدمات والمباني والبنية العليا والتحتية وغيرها، مطلب ساذج لا يصمد أمام المنطق.

يقولون إن النموذج الديموقراطي في الكويت فشل في بناء الإنسان وفي التنمية، متناسين ما حققته هذه الديموقراطية من إنجازات وإبداعات في كل مجال، وما تكرار حديثهم عنها، وهجومهم عليها إلا دليل على أنها «مؤثرة»، وأنها كانت صحيحة، ولكنها تأثرت بعد أن غابت عنها الصيانة، وأسيء استخدامها قصداً وعمداً.

وطالما اننا متمسكون بنظام حكمنا، ودستورنا وديموقراطيتنا، فإن الوقت سيأتي لنعود إلى مسارنا السابق، ولا يحتاج الأمر لغير «قرار»! أما أن أتخلى عن كل ذلك، لأن البعض يعتقد أننا سنحصل على شوارع أفضل، وأن «الدروازة» سينتهي العمل بها، فإنه تسطيح مخل للمشكلة، ولا علاقة للأمر بالديموقراطية، بل بغياب القرار، وإن استمر غياب القرار، فالطرق والدروازة ستبقيان على وضعهما، حتى بعد غياب الديموقراطية.

لقد كان لدى صدام والقذافي كل شيء تقريباً لإسعاد شعوبهما، وخلق دولتين محترمتين مميزتين، ومع هذا أضاعا فرصة إحراز أي تقدم لشعبيهما، فما الضمان إن أصبحت الكويت دكتاتورية، ألا يكون وضعنا كما كان وضع شعبيهما؟
***
قال السادات، في لحظة صدق مع النفس، لقد كنت مؤمناً بالدكتاتورية، ولكني اليوم أقول إن دهراً كاملاً من أخطاء الديموقراطية لا يوازي أخطاء ساعة واحدة من الدكتاتورية، بسبب ما تبثه من خوف مخرّب ومدمّر في النفوس!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top