الانتصار الخارجي والهزيمة الداخلية

أؤمن بثلاث وجهات نظر رئيسية، وأخرى ثانوية، في ما يتعلق بصراعنا مع إسرائيل، ومستقبلنا في العالم والتاريخ في العقود أو القرون المقبلة.

أولاً: صراعنا مع إسرائيل حضاري في المقام الأول، ونحن متخلفون عنها بمراحل، ويكفي أنها تصنع أغلبية أسلحتها، وتصدّر بعضها، مع قدرتها على تطوير ما تستورده منها! في المقابل، نعجز في الغالب حتى عن استخدام ما قمنا بشرائه من أسلحة، مستوردة أصلاً من «أصدقاء إسرائيل»، وهذا يجعل الغلبة لها في أي حرب مقبلة.

ثانياً: إن منطق التاريخ يقول إن إسرائيل ستزول حتماً، وأغلبية من يحكمونها لديهم هذا الهاجس، وبالتالي يتصرفون على أساس أن أي تهاون في موضوع الأمن يعني نهاية الدولة، وهذا الهاجس مثلاً لا تشكو منه دولة مثل مصر. فالإسرائيليون يعلمون أنهم أجسام غريبة في منطقة لا يمتّون إليها تاريخياً ولا عرقياً ولا ثقافياً، والحل أمامهم هو التعايش السلمي مع بقية مكونات المنطقة، والانصهار معها، ودون ذلك أهوال كبرى!

ثالثاً: والأهم، نحن بحاجة لأن نتطوّر ونتقدّم، وأن نؤمن حقيقة بأهمية وضرورة بناء الإنسان الحر، وتطبيق مبادئ العدالة والمساوة والإنسانية في دولنا، فبغير إنسان حر وعدالة ومساواة لا يمكن لأي أمة أن تنهض. فدولنا لا تؤمن بكامل حقوق الإنسان، التي وردت في الإعلان العالمي، التي بغير الإيمان بها فلن نجد الإنسان الحر المتمتع بحقوقه في العدالة والحرية والمساواة، وبالتالي فإن القمع سيستمر، والاستبداد سينتشر أكثر، ونهب الثروات سيتوسع، ومعها يأتي عادة ثالثوت الخراب «الفقر والجهل والمرض»، وهذا سيضعف أي كيان مهما كان ثرياً مادياً.

وبالتالي مخطئ من يعتقد أنه من السهل القضاء على إسرائيل عسكرياً بمجرد اتحادنا، أو بطلب معونة من أصدقائنا. فهذا التضامن لن يتحقق أصلاً، وإن تحقق وانتصر على إسرائيل عسكرياً، واستعدنا فلسطين، فإن الهزيمة التي بداخلنا، وهوان حالنا، وتفرقنا وغياب العدالة والمساوة في مجتمعاتنا، العنصرية، والكارهة للأقليات فيها، حتى النخاع، وتكفيرها، واعتبارها تستحق التهميش، وحتى النفي في الأرض، سيجعل من فقد فلسطين ثانية وثالثة، أمراً وارداً، فالمهزوم داخلياً لا يمكن أن ينتصر خارجياً!

وبالتالي، فإن التحسّر على أن الدول العربية لم تتجه، منذ ستينيات القرن الماضي، للطريق نفسه الذي انتهجته كوريا وسنغافورة وتايوان في التنمية والحرية والديموقراطية، أمر لا معنى له. فتقدمها ونجاحها اعتمد على «عوامل» لا تتوافر في دولنا أصلاً، ولا علاقة لها بما نؤمن به من عقائد، بل تخالفها وتتضاد معها جذرياً، وتجعل من تطبيق «التقدم» في مجتمعاتنا، بنجاح، أمراً مستحيلاً! فنحن لسنا تايوان ولا سنغافورة، ولا حتى رواندا، التي حققت معدلات نمو هائلة، لغياب ما يعيق هذه الدول عن التقدّم، ويحد من انطلاقنا، فليس لرجل الدين، في كل الدول أعلاه، وغيرها طبعاً، ذلك الدور المحوري، مثل ما هو لدينا، لدرجة أن حتى قرار الصلح مع إسرائيل، وهو قرار استراتيجي سيادي بحت، في دولة بحجم مصر، تطلب فتوى من الأزهر، وقد يقول أحدهم إنه كان أمراً شكلياً، ولكن كم من الشكليات هدمت نفوساً ودويلات!

ملاحظة أخيرة: الكل يشيد بـ«حماس»، ولا من ينكر دورها طبعاً، لكن لا أحد تقريباً من الفلسطينيين، وغيرهم، على استعداد لأن يعيش تحت حكمها، فهي تهدف لأن تحكم كل فلسطين، وغيرها من دولنا، وفق فكر الإخوان المسلمين، واعتبارها «إمارة دينية أو خلافة إسلامية»، فلا دستور ولا محاكم ولا حريات، بل تشدّد وحجاب مفروض.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top