النُّفايات والاستبيانات

قامت جهة استشارية خاصة، وغالباً نيابة عن البلدية، بإرسال استبيان لقياس مدى رضا المواطن والمقيم عن أعمال النظافة في الدولة. جاء الاستفتاء وكأن هناك اختلافات حادة في آراء المواطنين في ما يتعلق بمستوى النظافة، سواء من الفرد أو الأسرة بالتبعية، أو المجتمع.

الحقيقة أن وضع النظافة لم يتغيّر منذ عقود، سوى من نواحٍ تجميلية قليلة، واستخدام معدات أكثر حداثة، أما بقية الوضع وأخلاقيات المجتمع، بشقيه، من مسألة القمامة، فقد بقيت كما هي، لأن لا الأسرة ولا وزارة التربية علّمتا طفلاً «آداب أو أصول التعامل مع القمامة»، لذا استمر الجميع في وضع القمامة في أكياس بلاستيكية ورميها، وهي منفوخة، في براميل بلاستيكية قذرة خارج بيوتهم، لتقوم مركبات المقاول الأكثر قذارة بجمعها والتخلّص منها في مرادم غير مستوفاة لشروط كثيرة، أو حرقها، خالقة مشكلة أكبر!
***
تصرف الدولة على جمع القمامة أكثر من 300 مليون دينار سنوياً، ولم تحاول يوماً فرض اشتراطات كافية على المقاول، ولا على المواطن، بحيث يقوم الأول بتوفير حاويات بألوان مختلفة، يخصص كل منها لنوعية من القمامة، ويقوم الثاني بالتعاون مع المقاول في فرز قمامته، بحيث يسهل تالياً على مقاولي الفرز الاستفادة منها وإعادة تدويرها، بدلاً من دفنها أو حرقها!

يتساءل معد الاستبيان عن رضا المواطن أو المقيم عن مستوى النظافة في منطقة سكنه، والجواب معروف بشكل عام، وهو عدم الرضا، مع تفاوت كبير جداً بين منطقة سكنية وأخرى، أو تجارية وأخرى صناعية، فنظافة البيئة التي نعيش فيها كانت تتطلب عدم التفرقة بين منطقة وأخرى، عندما يتعلق الأمر بصحتنا جميعاً!

تضمن الاستبيان أسئلة أخرى ساذجة نوعاً ما، ومعروفة أجوبتها، مثل مدى القبول بعدد وحجم حاويات القمامة المخصصة أمام المنزل، وطلب حاويات أكبر من الحالية، ولم يعرض خيار طلب حاويات حديثة أكثر وقوية، ومتعددة الاستخدامات!

وورد سؤال عن التواصل مع الجهة المنوط بها تبديل حاوية القمامة، وكأن اسم ورقم هاتف هذه الجهة معروفين لدى الجميع، وعما إذا كانت الحاوية يتم غسلها وتعقيمها أمام المنزل، وهذا ما لم أشاهد يوماً جهة تقوم به في منطقتنا، ولم يخبرني أحد يوماً بوجود هذه الخدمة، وبمن يجب الاتصال في حال وجود شكوى!

كما ورد سؤال يتعلق بسيارة كنس جوانب الشارع، وان كانت تثير الغبار الكثيف الملوث للهواء، والجواب معروف مسبقاً.

وسؤال آخر يتعلق بعدد المرات التي قام فيها المواطن أو المقيم بالاستعانة بخدمات بلدية الكويت لسحب مياه الصرف الصحي، وتسليك المناهيل، أو رفع نفايات زراعية، أو نفايات إنشائية محدودة الكمية؟ فكل هذه الخدمات «المجانية» لا يعرف أحد تقريباً شيئاً عنها، وإن عرف بوجودها فلا يعرف بمن يتصل!

كما ورد سؤال ساذج آخر تعلّق بمدى ما تصدره شاحنات جمع القمامة من ضوضاء، خاصة في ساعات الليل المتأخرة! وأسئلة عن مستوى ملابس عامل النظافة والتزامه، وعن مسؤولية المواطن عن تقليل كمية النفايات الخارجة من منزله، لأن الدولة تتكلف مبالغ مالية باهظة لرفع ونقل والتخلّص من النفايات بطريقة مستدامة.

إضافة إلى عشرات الأسئلة الأخرى التي سيكون مصيرها غالباً التجاهل.

نحن بحاجة بالفعل إلى تعليم ثقافة التعامل مع القمامة في مناهج المدارس، حفاظاً على مظهر الدولة، وللتقليل من الجهد المبذول في عمليات الفرز والمحافظة – قبل كل ذلك – على صحة البيئة، وصحتنا بالتالي، وهذا لا يمكن أن يتحقق بغير الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top